طهران/12 تشرين الأول/أكتوبر/إرنا –يصادف يوم 12 أكتوبر في إيران يوم تكريم ذكرى الشاعر الإيراني الكبير حافظ الشيرازي الذي تركت أشعاره انطباعا تأصّل في الساحة الأدبية الإيرانية والعالمية وجعل من أبياته نموذجاً نادراً وقوياً ومتحلياً بالجلال الأدبي فضلاً عن تحويل هذا الشاعر إلى مفخرة إيرانية وعالمية.

ومازال حافظ الشيرازي مَعلماً ومظهراً أدبياً وشعرياً ونافذة يتعرَّف من خلالها العالم على إيران.

ولد شمس الدين محمد المعروف بـ"حافظ الشيرازي" أعظم شعراء الغزل في إيران على الإطلاق، ومن كبار شعراء القرن الثامن الهجري، ولد سنة 606هـ في شيراز، وجمع في ديوانه فني سعدي ومولانا جلال الدين.

ولابد من الإشارة إلى أنّ الغزل هو التغني بالجمال، وإظهار الشوق إليه، والشكوى من فراقه. والجميل المطلق هو (الله) سبحانه، والغَزَلي الحقيقي هو العاشق. والعشق هو التخلّص من قيود الذاتية والأنانية، والسمو في مدارج الكمال الإنساني من هنا فان لحافظ وأمثاله دورًا تاريخيًا كبيرًا في إيقاظ الشعور، وتحرير الأمة من النظرات الضيقة، ومن ثم فإن لهم دورًا في توحيد الأمة واستنهاضها.

سمي حافظًا لأنه حفظ القرآن واستوعبه وتمثله في وجوده وفاضت قريحته من منهله، فهو ابن الحضارة الإسلامية، وثمرة من ثمارها. وحافظ الشيرازي خير من يعبرون عن معنى «العشق» في الأدب الفارسي.

خصوصيات شعره

واشتهر حافظ بديوانه، الذي ترجم إلى 27 لغة حية في العالم، والمتكون من سبعمائة قطعة شعرية منها ما يقارب الخمسمائة مضوغة بضرب الغزل.

يتسم شعره بذروة الفصاحة والبلاغة والملاحة، وعبّر من خلال شعره عن كافة مكنونات قلبه مثل العشق للحقيقة والوحدة والوصل بين الأرواح، كما عبّر عن غضبه ونفوره من الفرقة والنفاق والرياء والصراعات الظاهرة، واستخدم في أشعاره كلمات وتعابير خاصة، بيّن من خلالها ما يقصده من مفاهيم، وكان أسلوبه مبتكرا وفريدا من نوعه وتعتبر قصائده قمة الإبداع في الأدب الفارسي.

ان شعر حافظ هو مزيج من معاني العشق والمعاني الاجتماعية والعرفانية، وفي كل قصائده الغزلية يقصد إلى جانب العبارات العادية إيصال مفاهيم متعالية عن الوجود والحب والعفو والعنف والرياء والخداع الذي يمارسه من يصل إلى السلطة، كما يقصد إيصال جماليات الخلقة والطبيعة والإرادة العرفانية للفكر القوي، وكل واحدة من هذه المضامين لها طابع تعليمي ومليئة بالعبر وتعلّم الناس طريقة ونهج وأسلوب الحياة، ولذلك يكاد لايوجد بيت في إيران يخلو من ديوان حافظ، فالإيرانيون يحترمون ديوانه كثيرا ويتبادلون مع ديوانه أسرارهم ومكنونات نفوسهم وذلك عن طريق التفاؤل بأشعاره، ولهذا فهم يطلقون عليه لقب "لسان الغيب" و"ترجمان الأسرار".

وكثرت الأقوال بين مشاهير العالم من اُدباء ومؤرخين وعلماء ورجال دين على مر العصور حول هذا الشاعر والتي أشادت به وبأبياته التي توطنت مضامينها في نفوس قارئيها أو المستمعين اليها وتركت إنطباعاً فريداً يتحف الفرد برؤية جميلة وحقيقية عن الحياة.

و قال الشاعر والكاتب الألماني الشهير «يوهان غوته» فيه: إن «حافظ» خلد من خلال أشعاره تلك الحقيقة التي لايمكن أن يتسرب اليها الريب أو الرفض وإنه نادرة لامثيل لها».

وكتب «رولف والدو إمرسون» الفيلسوف والكاتب الأمريكي عنه: إنّ «حافظ» يعرف الكثير عن الحياة ولديه رؤية شامله لها وهو الشخصية الوحيدة التي طالما أحببت أن أكون مثلها.

فيما قال إدوارد فيتز جرالد الأديب البريطاني الشهير وأول من ترجم أشعار «حافظ» الي الإنجليزية: إن حافظ خير من عزف بالمفردات.

وشاركه الرأي مواطنه «إي بي باربري» الكاتب البريطاني الشهير والناقد الأدبي بقوله: إن مكانة «حافظ» بين مواطنيه كمكانة شكسبير بيننا وهو شخصية نكن لها كل الإحترام.

وقال العلامة محمد تقي جعفري الفيلسوف والمفسر لكتاب نهج البلاغة عن الشاعر «حافظ»:إن الجلال والجمال اللذان إجتمعا في أشعار حافظ جعلت الدهشة تساور المستمع إليها أو القارئ لها وجعلته يفهم من خلالها الحقيقة المطلقة بعيداً عن الواقع الراهن.

وقال عنه الشاعر المعاصر الايراني «محمد حسين شهريار»: إن كل مصرع من أبيات «حافظ» يكون معلماً ومظهراً لمكنون قلب الايرانيين، ولاشعر يضاهي ما نبع عن «حافظ» و «سعدي».

وكتب غلامحسين زرين كوب الأديب والكاتب والمترجم الايراني البارز: إن الكل يستقي من مناهل «حافظ» على قدر سعته وموهبته.

وقال عنه العلامة آية الله مرتضي مطهري: إن «حافظ» لديه قوة تنبع من الجمال، تجر اليها صاغيها.

وكتب بهاء الدين خُرمشاهي الباحث وأفضل المدققين لديوان «حافظ»: إن حافظ ليس معلماً فحسب ولا واعظاً إنما لعباراته وقع وأثر عظيم يتسرب الى الفرد كما أن أشعاره تمثل مدرسة للحياة تعلمت ومازالت تتعلم منها الشعوب منذ قرون ولألفيات.

القسم الأعظم من ديوانه حديث عن «العشق» ضمن مقطوعات تسمى «الغزليات» وكل غزلية تتكون من عدد من الأبيات (في حدود 7 أبيات عادة) ذات قواف وأوزان متحدة، والبيت الأول مصرّع حتمًا، وكل بيت له معنى يكاد يكون مستقلاً عن غيره.

أول غزلياته يبدأها بشطر بيت عربي يدعو فيه الساقي أن يناوله كأسًا كي يخفّف عنه أثقال هموم العشق الذي بدا في أوله سهلاً، لكنّ ثقل أعبائه بدت على مرّ الأيام:

((ألا يا أيهــا الساقـي أدر كأسًا وناولها .... كه‌عشق آسان نمود اول ولى افتاد مشكلها)) أي: «فالعشق بدا في أوله سهلاً ثم وقعت المشاكل».

وفي بيت آخر من هذه الغزلية يتحدث عن نفسه التي لا تدعه يستقرّ لأن شوط العمر قصير:

((مرا در منزل جانان چه امن عيش چون هــر دَم....جَرَس فـرياد مى دارد كه بربنديد محملها)) أي : «أيُّ أمن عيش لي في منزل الحبيب،إذ في كل لحظة يدق الجرس أن ارزمـوا محملكم».

وفي بيت آخر من هذه الغزلية يشير إلى مايحيط به من أهوال تعبّر عن الهموم الكبيرة التي يحملها، ويرى أن الذين يخلدون إلى الراحة ودِعَةِ العيش لا يفهمون ما يثقل صدور العاشقين:

   ((شبِ تاريك وبيم موج و گردابى چنين هايل.... كجـا دانند حال ما سبكباران ساحلها)) أي: «ليل مظلم وموج مخيف، ولـُجّة هائلـة  من أين لسكان السواحل أن يعرفوا حالنا».

ثم يدعو نفسه لأن يسير على طريق العشق إذا أراد أن يكون حاضرًا، أي إذا أراد أن يكون ذا مكانة في ساحة الإنسانية المتكاملة: (( حضورى گر همى خواهى از او غايب مشو حافظ.... متى ما تلق من تهـوى دع الدنيا وأهملهـــا)) أي: «إذا أردت حضورًا مستمرًا فلا تَغِب عنه يا حافظ  متى ماتلق من تهوى دعِ الدنيا وأهملها».

ويلاحظ أن البيت الأول الذي يشير فيه إلى سهولة العشق في بداية مراحله، وظهور مشاكله وثقل أعبائه في مراحل تالية، له ما يشابهه في الغزل العربي، يقول الشاعر:

تولـّع بالعشق حتـى عشق فلمـا استقـلّ به لم يُطق .... رأى لُـجّـة ظنّهـا موجـةً فلمّـا تمكـّن منهــا غرق

ترجم ديوان حافظ إلى العديد من اللغات ويعتبر من أشهر الكتب في الأدب العالمي، وقد اعتبرته منظمة اليونسكو من كنوز الأدب الخالدة في الأدب في العالم.

وترجم اشعاره إلى العربية الدكتور إبراهيم امين الشواربي والدكتور علي عباس زليخة واخيرا تم في إيران نشر ترجمة لديوان حافظ باللغة العربية (سنه 2020) قام بتعريبه الدكتور نادر نظام طهراني.

وتوفي حافظ الشيرازي عام 791هـ/1388 أو 1389م. ودفن في حديقة سميت فيما بعد بالحافظية في شيراز تكريما له.

انتهى*1049