وازدادت الآمال في استعادة السلام في هذه المنطقة المضطربة بعد عقد قمة سوتشي بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس جمهورية اذربيجان، الهام علييف و رئيس الوزراء الارميني "نيكول باشينيان" وكذلك زیارة الأخیر إلى طهران والاجتماع مع رئيس الجمهورية أية الله ابراهيم رئيسي ، لکن التصريحات الاخيرة لرئيس جمهورية اذربيجان، بشأن مناورات الجيش الايراني والحرس الثوري في منطقة ارس شمال غرب ايران وخطابه الأخير في القمة العاشرة لزعماء البلدان الناطقة بالتركية، والاشتباكات الحدودية الجديدة بين باكو ويريفان ، أثبتت مرة أخرى أن التوتر في هذه المنطقة لا يزال تحت رماد الاتفاق الذي تم التوصل إليه عند منتصف الليل 9 نوفمبر 2020.
وإن الاستراتيجية الکبری في جنوب القوقاز والتطورات الأخيرة التي حدثت على مدى عامين في العلاقات بين إيران وجمهورية أذربيجان تؤشر علی أن البلدين لديهما اختلافات في الأنماط السلوكية وتضارب المصالح الاستراتيجية في هذه المنطقة على الرغم من الجهود الرامية الى تقلیص هذه التحديات وإلإدارة والسيطرة عليها، مما أثار العديد من الأسئلة للمحللين المهتمین بشؤون منطقة القوقاز.
ومن أهم هذه الأسئلة ما يلي:
1-لماذا واجهت طهران وباكو تحديًا استراتيجيًا بعد حرب كاراباخ الثانية؟
2-لماذا تسعى جمهورية أذربيجان وراء تقليص الثقل الجيوسياسي لإيران في منطقة القوقاز؟
3-ما هو السبب وراء محاولة جمهورية أذربيجان للإخلال بالتوازن الاستراتيجي في جنوب القوقاز؟
هناك العديد من الإجابات على هذه الأسئلة، بعضها يتعلق بالتغييرات الهيكلية في النظام الدولي، والبعض الآخر يتعلق بالتغيرات في الاتجاهات والاستراتيجيات الكبری في منطقة القوقاز واللاعبين الرئيسيين فيها.
الملفت ان جنوب القوقاز شهد الحضور النشط لجهات فاعلة مختلفة، بما في ذلك روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وفرنسا وإيران وتركيا، منذ تسعينيات القرن الماضي وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، لكن في السنوات الأخيرة ، انخفض عدد هؤلاء اللاعبين النشطين واقتصروا إلى دول روسيا وتركيا وإيران ، وعلى الرغم من أن مصالح هذه الدول كانت أقل تنوعًا، لکن الفرصة للتقلیص من تنوع المصالح تحولت إلی خطرا وتهدیدا لتضارب المصالح نظرًا لطبيعة وشكل الهيكل الخاص والمقاربات الإقليمية واشتدت عملية تضارب المصالح بعد حرب كاراباخ الثانية بسبب اختلال التوازن الإقليمي.
وواجهت منطقة جنوب القوقاز تغييرات في طريقة توزيع القوة بسبب التغييرات الهيكلية في النظام الدولي وتسببت هذه التغييرات بدورها في تغيير نهج باكو الإقليمي وعلاقاتها الثنائية مع الجمهورية الإسلامية الایرانیة مما سادت تحديات مختلفة في المجال الجيوسياسي
على العلاقات بين البلدین رغم استقرار العلاقات الاقتصادية بینهما.
منذ بداية أزمة ناغورنو كاراباخ في التسعينيات من القرن الماضي ، حاولت الجمهورية الإسلامية الایرانیة لعب دور فعال في المنطقة باعتبارها جهة فاعلة مسؤولة فیها، لكن هناك مؤشرات تدل علی أن باكو لا ترغب أن تعترف بهذا الدور بسبب طبيعة العلاقات الجيوسياسية بين إيران وجمهورية أذربيجان وتسعی باکو أن تلعب دورا فعالا في الهيكل الإقليمي الثلاثي ،وهو جمهورية أذربيجان وروسيا وتركيا ، من أجل تقليص دور إيران عمليًا في المنطقة من خلال إعتماد نهجها المعتمد علی نزعتها الانفصالية.
إن القواسم المشتركة التاريخية والهوية والثقافية تربط بين إيران وجمهورية أذربيجان وهذه القواسم المشترکة ساهمت في توسيع العلاقات بين الجانبين في معظم الحالات، لكنها في بعض الحالات، تحولت إلی تحديًا جيوسياسيًا لكلا الجانبين ومن هذالمنطلق إن العديد من صانعي السياسة الخارجية لجمهورية أذربيجان يقومون بتحليل نهج الهوية من منظور أمني وتقديم وتفسير الجمهورية الإسلامية الایرانیة بانها ليست كجار مسؤول ولكن كمنافس جيوسياسي لهم.
وإن تبني مثل هذا النهج من قبل صانعي القرار لجمهورية أذربيجان بالتزامن مع قیام هذا لبلد بطرح مشروع إنشاء ممر زنغزور قرب الحدود المشتركة لإيران وأرمينيا ومعارضة طهران لأي تغيير جيوسياسي أدى إلى زيادة الخلافات بين إيران وباكو.
وحاولت باكو تقديم نفسها كقوة مهيمنة جديدة فی منطقة جنوب القوقاز من خلال استغلال الفرصة التي أتيحت لها بسبب تفوقها النسبي في حرب كاراباخ الثانية وفي تشكيل تحالف مع تركيا.
ویهدف هذا البلد بشكل أساسي إلی تغيير في التوازن الإقليمي، وخاصة تقليص الدور المحوري لإيران وروسيا في منطقة جنوب القوقاز وزيادة الوزن الاستراتيجي الجيوسياسي لجمهورية أذربيجان وتركيا لكن ما سيضع منطقة القوقاز بشكل عام والعلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وجمهورية أذربيجان وأرمينيا بشكل خاص في إطار المعادلة الرابحة على الرغم من تضارب المصالح بينها، هو استعادة التوازن الإقليمي من حيث الطبيعة والشكل عندما تتخلى جمهورية أذربيجان عن نهجها التحريفي.
انتهی**3280