طهران/19 کانون الأول/ ديسمبر/ارنا- لقد دعت أمريكا مؤخرا 50 من قادة القارة الإفريقية للمشاركة في اجتماع مشترك في واشنطن تحت ذريعة الدعم متعدد الأطراف لأفريقيا، لكن الضيوف أدركوا في البيان الختامي للاجتماع أن هدف الدولة المضيفة ليس تنمية القارة إنما مواجهة روسيا والصين بتوظيف دعم الدول الإفريقية.

في الواقع، النفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري لروسيا والصين في القارة الأفريقية -كمنطقة قادرة اقتصاديًا وسياسيًا- دق جرس الإنذار للولايات المتحدة وجعل واشنطن تكافح لاستدعاء 50 قائدًا بعد عدة عقود من الإهمال، حتى لو أراد تحقيق ذلك من خلال تقديم وعود مغرية لقادتها.

وقبلت هذه المجموعة من القادة الأفارقة دعوة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمشاركة في اجتماع للقادة الأمريكيين والأفارقة خلال 13 إلى 15 ديسمبر لأن لديهم بالفعل قائمة كاملة من الوعود، بما في ذلك البيئة والصحة العامة وحقوق الإنسان، والسلام والأمن، والأمن الغذائي والحد من الفقر والصفقات التجارية حتى الوفاء بالالتزامات مثل وعد بايدن بقيمة 55 مليار دولار لتعزيز التعاون المناخي مع الولايات المتحدة.

لكن الهدف الرئيسي للمضيف من عقد هذا الاجتماع والذي كان مهمًا أيضًا للضيوف، هو خوف أمريكا من وجود روسيا والصين في هذه القارة وانحياز العديد من الدول والأمم الأفريقية لروسيا في الحرب الأوكرانية.

وكتبت صحيفة الإيكونوميست  في 14 ديسمبر في إشارة إلى أهداف أمريكا الخفية لعقد هذا الاجتماع: تُعتبر روسيا بائعًا مهمًا للأسلحة في إفريقيا والعلاقات العسكرية القوية لروسيا مع الدول الأفريقية من النوع الذي لم تنتقد فيه أي دولة أفريقية حتى الآن الهجوم الروسي على أوكرانيا والحرب التي تدور في أوروبا الشرقية.

وفي إشارة إلى التواجد الصيني في إفريقيا، أضاف هذا التقرير: حتى الميزان التجاري للصين مع القارة الأفريقية بلغ 254 مليار دولار العام الماضي بينما كان الميزان التجاري الأمريكي مع هذه القارة 64 مليار دولار فقط.

كما أشارت شبكة CNN الأمريكية في تقرير لها إلى أن إفريقيا تعتبر مكانًا لأسرع نمو اقتصادي في العالم، بحيث بلغ الميزان التجاري لهذه القارة مع دول العالم الأخرى بنسبة 300٪ في العقد الماضي فقط. وسيكون تقارب أمريكا مع الدول الأفريقية محاولة لمواجهة تعزيز العلاقات بين الصين وروسيا في إفريقيا وما أظهرته أنه سيصبح مشكلة خطيرة لواشنطن وأثار جرس الإنذار للبيت الأبيض.

على أي حال، كان عقد هذا الاجتماع المشترك في واشنطن بأهداف محددة وتم تقديم العديد من الوعود الاقتصادية وحتى السياسية للقادة الأفارقة ليتوقفوا عن دعم روسيا أو يبدوا المزيد من الاهتمام للتواجد الأمريكي في هذه القارة لكن يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الأهداف ستتحقق في المستقبل أم لا.

ومن بين هذه الوعود السياسية التي قُطعت في هذا الاجتماع المشترك، الإعلان عن دعم الرئيس الأمريكي للعضوية الدائمة للاتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين وحتى بايدن أعلن أن واشنطن تدعم إصلاحات مجلس الأمن الدولي من أجل التمثيل الدائم لأفريقيا.

وفي الوقت نفسه، تعد جنوب إفريقيا العضو الرئيسي في مجموعة الدول الأفريقية للقوى الاقتصادية الناشئة (بريكس) المتمركزة في الصين وروسيا وقد تقدمت العديد من الدول الأفريقية الأخرى أيضًا بطلب للحصول على عضوية هذه المجموعة.

وبالطبع أثيرت أيضًا وعود مغرية أخرى في هذا الاجتماع، مثل قول بايدن في استمرار المنافسة مع روسيا والصين في القارة الإفريقية فقال: أقدم خطة جديدة، هذه هي خطة التحول الرقمي لأفريقيا.

كما كان من المفترض تحديث برنامج المنح الدراسية في عهد أوباما وتنفيذه في هذا الاجتماع لمواصلة تقديم المنح الدراسية للشباب الأفارقة العاطلين عن العمل، بما يتماشى مع التزام الزعيم الصيني شي جين بينغ في عام 2018 لتقديم 50 ألف منحة دراسية و 50 ألف فرصة تعليمية للشباب الإفريقي، أو حتى تجاوز ذلك ولكن تبين أن الموضوع الرئيسي للمناقشات في هذا الاجتماع الذي استمر ثلاثة أيام ليس فقط على ما يبدو تنمية إفريقيا ولكن بشكل أساسي سياسي ويتركز حول كسب دعم إفريقيا الشامل للحرب في أوكرانيا.

يعتقد المحللون أن أساس كل ما يسمى ببرامج التنمية الأفريقية التي قدمها بايدن لم يكن أكثر من زيادة أخرى في التكاليف الاقتصادية والسياسية وفي الواقع تدمير إفريقيا ، خاصة أن إفريقيا تعاني أيضًا من أزمات اقتصادية أخرى متعددة الأوجه ناجمة عن حرب أوكرانيا، وهي نقطة أدركها القادة الأفارقة بالفعل.

بينما تم التأكيد للقادة الأفارقة في هذا الاجتماع المشترك على أنهم ليسوا مضطرين للاختيار بين أمريكا وروسيا والصين ولكن في الولايات المتحدة، تمت الموافقة على مشروع قانون بعنوان "مكافحة الأنشطة الخبيثة لروسيا في إفريقيا" والذي تطلبه واشنطن منه معاقبة الحكومات الأفريقية التي تدعم الأنشطة "الخبيثة" لروسيا.

على كل حال، أثيرت مطالبات أمريكا بدعم إفريقيا في هذا الاجتماع بينما أثارت الموافقة على هذا القانون العديد من التساؤلات في أذهان الرأي العام العالمي، لأن هذا القانون يعرّف بشكل عام الأنشطة "الخبيثة" المزعومة بأنها أنشطة "تهدف إلى" حفظ مصالح الولايات المتحدة " وهذا يعني أن القانون يحمل روسيا والحكومات الأفريقية ومسؤوليها على التواطؤ في المساعدة والتحريض على هذا التسلل المزعوم والنشاط الخبيث.

لهذا السبب ، فإن من أهم المنتقدين أو المحتجين على هذا القانون السيدة نالدي باندور، وزيرة العلاقات الدولية بجنوب إفريقيا، التي حذرت دون أي اعتبار: عندما نتحدث عن الحرية، الحرية للجميع، لا يمكنك القول لأن أفريقيا تفعل ذلك، فعندئذ ستعاقب أمريكا ".

لا ينبغي أن ننسى أن اجتماع القادة الأمريكيين والأفارقة انعقد بعد أشهر قليلة فقط من كشف وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن عن سياسة بلاده تجاه إفريقيا خلال زيارته إلى جنوب إفريقيا في أغسطس وفي تلك الزيارة لم يذكر أيا من القضايا السياسية التي كان من المفترض طرحها في الاجتماع المشترك الأخير.

بالطبع، تمت زيارة بلينكين لثلاث دول أفريقية بعد أيام قليلة من زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى 4 دول أفريقية لإقناع هذه الدول بدعم الجبهة الأمريكية والأوكرانية في حرب أوكرانيا مع روسيا.

تدرك واشنطن جيدًا أن الدول الأفريقية تظل واحدة من أكبر الفئة التصويتية الإقليمية في الأمم المتحدة وتعتبر هذه البلدان وخاصة جنوب إفريقيا التي تربطها بها روسيا علاقات ودية تاريخية وهي الآن الدولة الرائدة في إفريقيا وظلت حتى الآن محايدة في الحرب الروسية الأوكرانية مهمة جدًا لأمريكا.

وبالنظر إلى هذه العلاقات التاريخية، رفضت جنوب إفريقيا سابقًا طلب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) لإدانة هجوم روسيا على أوكرانيا. ولا تزال حكومة بريتوريا تفضل الحياد في الحرب الروسية الأوكرانية ولم تصوت ضد روسيا في الأمم المتحدة.

يدرك زعيم جنوب إفريقيا ودول أفريقية أخرى الأهداف الخفية للسياسات الأمريكية في أوكرانيا وكما قال لافروف خلال رحلته إلى إفريقيا فإن العقوبات الغربية ضد العديد من الدول بما في ذلك روسيا هي العامل الأكبر في زيادة تكاليف الوقود والغذاء في إفريقيا وهذا أمر يعترف به العديد من المحللين الدوليين وحتى المحللين الأفارقة.

وقال أيمن سمير، خبير العلاقات الدولية المصري لشبكة سكاي نيوز في إشارة إلى العقوبات الأمريكية القاسية ضد العديد من دول العالم ، بما في ذلك إيران: تسير الصين في الاتجاه المعاكس لأمريكا في القارة الأفريقية. وبينما فرضت واشنطن عقوبات على بعض الدول الأفريقية، بما في ذلك إريتريا ، فإن للصين مصلحة خاصة في الدول الأفريقية وتعارض التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول والعقوبات الأمريكية.

أعلن ألیک أوزيروف، ممثل روسيا المفوض للشؤون الأفريقية ، مؤخرًا أن الغربيين بإجراءاتهم التقييدية ضد موسكو، خلقوا مشاكل ليس لروسيا ولكن للدول الأفريقية التي لا علاقة لها بقضايا أوكرانيا.

وأضاف: على الدول الغربية أن تكف عن محاولة إملاء وجهة نظرها والقيود غير القانونية أحادية الجانب ضد روسيا من أجل استقرار وضع الأمن الغذائي في إفريقيا.

يعتقد المحللون أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة تحاول جذب انتباه القادة الأفارقة من خلال تقديم وعود عديدة للدفاع عن السياسات الاستعمارية القديمة والجديدة للعالم، فإن قلق الأفارقة بشأن مستقبل هذه السياسات الغربية المتسمة بالجشع يزداد كل يوم.

لذلك، يجب الاعتراف بأن الدول الأفريقية، المستفيدة من الثروات الإلهية ورأس المال البشري الكبير تستحق أن تتمتع بمزيد من التنمية والازدهار، بعيدًا عن أي نوع من الجشع المستمر للبلدان التي لم تفكر عبر التاريخ إلا في انتهاكات مختلفة لها ولمعرفة تاريخ هذه السياسات، يجب مراجعة تصريحات رئيس الوزراء الإيطالي جيورجيا ميلوني حول فرنسا.

وشدد ميلوني على استغلال فرنسا للدول الأفريقية وقال: في النيجر يجبر الأطفال على العمل في المناجم واستخراج المواد الخام وتستخرج فرنسا 30٪ من اليورانيوم الذي تحتاجه لتشغيل المفاعلات النووية لكن 90٪ من سكان النيجر يعيشون بلا كهرباء.

وصرح : "ماكرون ، لا تعظنا!" لقد جعلت الأفارقة يغادرون قارتهم. لا يكمن الحل في نقل الأفارقة إلى أوروبا، بل في تحرير إفريقيا من عبودية بعض الدول الأوروبية. نحن لا نستمع إلى عظاتك ، فهمت؟

انتهی**1426