طهران /5 تشرين الاول/اكتوبر/إرنا - رغم أن وحدة الأمة الإسلامية هي أهم ما أكد عليه القرآن الكريم الكتاب المقدس للمسلمين المقدس، إلا أنه في عالمنا اليوم ليست مجرد توصية أخلاقية وروحية أو تكتيك، بل هي استراتيجية أساسية لمواجهة نهب ثروات المنطقة وضمان السلام الداخلي المستقر فيها، وهي ما تؤكد عليه الجمهورية الإسلامية الايرانية دائما.

وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود، وبحنكة ومبادرة مفجر الثورة الإسلامية الامام الخميني (قدس سره)، حوّلت إيران المناسبة العطرة لولادة نبي الرحمة محمد المصطفى (ص) الى فرصة لتجاوز الخلافات التاريخية والعمل بناء على أوامر ومبادىء القرآن بالوحدة بين المسلمين.

هذا العام وكما في الأعوام السابقة وبمناسبة ذكرى ميلاد منقذ الوحدة الاسلامية واسبوعها، استقبل قائد الثورة الاسلامية سفراء الدول الإسلامية وضيوف مؤتمر الوحدة ولفيفا من المسؤولين موضحا أهمية الوحدة الاسلامية في النظام العالمي الحالي الذي هو على وشك التحول والتحديث.

النظرة الاستراتيجية لمفهوم الوحدة

إن أحد أهم الأهداف الأساسية لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ البداية ومع كل الشعارات المعلنة هو تطبيق توصيات القرآن الكريم وسنة رسول الله (ص) ليس كتوصيات أخلاقية وروحية فحسب، بل تطبيقها ايضا في مجال الإستراتيجية بغرض إدارة المجتمع وحتى العالم.

وعليه فان وجهة نظر قائد الثورة الإسلامية حول مفهوم الوحدة وتأكيده بشكل خاص على هذه القضية تنبع من هذا الهدف.

والحقيقة هي أنه في عقيدة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يتم وضع وحدة البلدان والأمم الإسلامية في شكل أمة واحدة في المنطقة كاستراتيجية مهمة وتعد أساس التكتيكات والقرارات والإجراءات لمختلف المؤسسات من وزارة الخارجية إلى وزارة النفط والمؤسسات الإعلامية.

وفي ظل وجهة النظر هذه،  تحاول إيران منذ عدة سنوات توعية الدول الإسلامية في المنطقة بهذه الحقيقة التاريخية والدينية والاستراتيجية وهي أن الخلافات بين هذه المجتمعات بمثابة فرصة تمنحها هي بنفسها لحكومات خارج المنطقة للتدخل في شؤونهم وتحديد مصيرهم والتعدي على ثرواتهم ومواردهم الطبيعية التي وهبهم الله اياها من جهة وعلى أمنهم من جهة أخرى.

وفي لقائه يوم الثلاثاء 3 تشرين الاول/اكتوبر مع سفراء وعلماء الدول الإسلامية وجمع من المسؤولين ، اشار قائد الثورة الاسلامية الى هذا الغزو والنهب ودعا قادة وسياسيين وخبراء ونخب العالم الإسلامي إلى التفكير في هذا السؤال: "من هو عدو الوحدة الإسلامية وبمن تضر هذه الوحدة ومن تمنع بالقيام بهذا التعدي والنهب والتدخل؟".

نهب الثروات الطبيعية في شمال أفريقيا وغرب آسيا

هناك بُعد او دافع خفي لم يعد بالامكان اخفاؤه عن احد بالنسبة للديمقراطية وحقوق الإنسان ومكافحة الأسلحة النووية والكيميائية ومكافحة الإرهاب أو أي عنوان طنّان اختارته أمريكا وحلفاؤها لغزو أرض ما ،وكما يعترف به العديد من المحللين والنواب وأعضاء مجلس الشيوخ الأميركيين والأوروبيين.

وعليه فهذا الدافع يمكن ان نعنونه بمسألة "النهب"؛ وهي مسألة لا يمكن اكتشافها في آلاف الوثائق التي أشار اليها حتى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب دون أي تملق أو تستر، وكرر مرارا وتكرارا أن الوجود العسكري الأمريكي في منطقة غرب آسيا هو من أجل النفط فقط، وليس لإنقاذ شعوب هذه المنطقة من الإرهاب والدكتاتورية والحرب!

ويمكن في هذا الصدد تقييم إشارة قائد الثورة الاسلامية الى نهب خيرات المنطقة، بأنها مشكلة سببها وجود الغرب وأصل الاضطرابات الصغيرة والكبيرة في هذا الجزء من الكرة الأرضية.

إن تواجد الولايات المتحدة الأمريكية منذ مائة عام في غرب آسيا أي الشرق الأوسط  وشمال أفريقيا، قد سلب الموارد الطبيعية والثروات الإقليمية لهذا الجزء من العالم والتي كانت من نصيب وحق شعوب هذه المنطقة من أيديهم وأودعها أيدي السلطات الغربية.

 ومن المؤسف في الموضوع ،ان الولايات المتحدة بررت هذا النهب في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى بادعائها خلق السلام والأمن والتأكيد على معالجة الازمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بينما كان لها الدور الأهم في تعزيز هذه الأزمات.

وكانت ليبيا في شمال أفريقيا وذات الثروة النفطية الهائلة ابرز مثال للأراضي التي دخلتها أوروبا وأمريكا بحجة دعم المتظاهرين على النظام السياسي السائد انذاك والإطاحة بحاكم ليبيا معمر القذافي والسيطرة على شؤون البلاد الاقتصادية والنفطية.

والجدير بالذكر ان هذه الدولة التي كانت تُعرف في عام 2007  بأنها الدولة النفطية التاسعة في العالم وذلك قبل وقت قصير من بدء أعمال الشغب كانت تتمتع باحتياطيات نفطية تبلغ 41.5 مليار برميل، والآن باعتبارها عملاقا نفطيا جديدا كان لا بد من الاستيلاء عليها من قبل أمريكا وأوروبا.

 وفي وقت لاحق، في عام 2016 نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية مقالا جاء فيه أن أحد أهداف أمريكا في الإطاحة بـ"القذافي" وتدمير ليبيا هو الاستيلاء على الثروات الطبيعية لتلك الأرض.

وفي الأيام الأولى للأزمة الليبية، أيد أحد كبار أعضاء لجنة الموارد بمجلس النواب الأمريكي قرار الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما بالتدخل في ليبيا، وذكر بوضوح أن النفط كان السبب الرئيسي للهجوم على طرابلس وقال إن واشنطن موجودة في ليبيا لضمان 5 ملايين برميل من النفط يوميا تستوردها من أوبك.

وليس هذا فقط، فلم يتوقف النهب الأمريكي الواضح عند هذه الدولة بل امتد ليطال الثروات الطبيعية السورية، فقد اتهمت وزارة النفط السورية في بيان لها بتاريخ 9 آب /اغسطس من العام الماضي قوات الاحتلال الأميركي وحلفائها بسرقة نحو 83% من نفط البلاد يومياً (66 ألف برميل) من الحقول التي تحتلها القوات الأميركية والميليشيات المدعومة منها في شرق سوريا ومناطق شمالية اخرى.

كما أعادت هذه القضية المريرة إلى الأذهان أن قطاع النفط السوري تكبد خسائر بنحو 105 مليارات دولار نتيجة عملية سرقة النفط الأميركية منذ بداية الحرب وحتى منتصف العام الماضي.

وبعد عام، أعلنت الخارجية السورية النتيجة الكارثية للوجود والتدخل الأمريكي في سوريا، وهي سرقة وإهدار 341 مليون برميل من النفط.

وفي تفاصيل تقرير وزراة الخارجية هذا، ذكر بأن أمريكا تنهب يومياً ما بين 100 إلى 130 ألف برميل نفط من سوريا، وقد وصل مؤخراً إلى نهب 150 ألف برميل في اليوم.بالاضافة الى سرقة 50 مليون متر مكعب من الغاز و413 ألف طن من الغاز المنزلي بقيمة 21 مليار دولار.

وعلاوة على ذلك ، اضاف التقرير انه تم تدمير وسرقة الهيكل الذي تبلغ قيمته أكثر من 3 مليارات و200 مليون دولار، كما تسبب قصف منشآت النفط والغاز من قبل ما يسمى بالتحالف المناهض لتنظيم داعش الارهابي في أضرار بقيمة 2 مليار و900 مليون دولار.

وعلى الساحة الافغانية وبحجة "مكافحة الارهاب"،كانت نتيجة الحملة الأمريكية على افغانستان بعد أحداث 11 ايلول/سبتمبر 2001 نهب الموارد الطبيعية للبلاد وعلى رأسها الموارد المعدنية التي تبلغ قيمتها حوالي 3 تريليونات دولار،وقد دخل الامريكيون افغانستان برفقة جنود وعمال مناجم وجيولوجيين أمريكيين لاستكشافها في السنوات الأولى.

وأخيرا ومن الامثلة على النهب الامريكي لثروات الدول،كان العراق الجارالغربي لإيران والذي يعتبر نهب الغربيين لموارده الطبيعية وطاقته أكثر موضوعية وملموسة بالنسبة للإيرانيين من الدول الأخرى.

وفي هذه المرة تدخلت الولايات المتحدة وإنجلترا في هذا البلد وغزتا العراق بدعوى" وجود الأسلحة الكيميائية " وهو ادعاء لم يثبت قط، لكنه قدم ذريعة للحملة والسيطرة على آبار النفط والبنك المركزي وموارده الطبيعية من المناجم والمعادن الى المعالم التاريخية، ومازال هذا التواجد والتدخل حتى يومنا هذا.

وفي أعقاب الاضطرابات الناجمة عن الحرب في العراق، حاولت الشركات الأمريكية والبريطانية شراء النفط العراقي بسعر منخفض والسيطرة على هذه الصناعة من خلال توقيع عقود طويلة الأجل تصل مدتها أحيانا إلى نصف قرن.

ومؤخرا أعلنت إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن صادرات النفط العراقي الى الولايات المتحدة الشهر الماضي (أيلول) بلغت أكثر من 6 ملايين برميل.

لكن يجدر التأمل أنه منذ عام 2003 وبعد غزو العراق، توصلت واشنطن إلى نتيجة مفادها أنه يجب عليها تحويل عائدات النفط العراقي الى حساب في الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي من الاصول المالية للشعب العراقي ضد الشكاوى المحتملة من الدول ضد تصرفات "صدام حسين".

وعلى الرغم من دفع التعويضات للكويت وتأكيد المنظمات الدولية على عدم وجود شكاوى جديدة في هذا الاطار، الا انه مازال يتم ايداع عائدات العراق النفطية في الحساب نفسه في البنك المركزي الأميركي، وما زال الامريكيون (رعاة البقر) يشرفون على هذه الاصول المالية التي بلغت نحو 115 مليار دولار، ولا يستطيع العراق سحب حتى دولار واحد منها دون موافقة البنك المركزي الأمريكي!

وقد تكرر هذا القرار الناهب للثروات في العقود النفطية بين حكومة بغداد وشركات النفط الغربية بشكل آخر ومنها عقد النفط والغاز والطاقة المتجددة الضخم بين العراق والشركة الفرنسية "توتال للطاقة" الذي يعد مثالا على هذه التسوية بقيمة 27 مليون دولار.

اضف على ذلك ،ان توقيع هذا العقد استغرق عامين ، وحيت تم إبرامه وفيما وافقت الحكومة العراقية على حصة 30% من هذا المشروع وهو أقل من الطلب الاولي للعقد،بينما الشركة الرنسية " توتال للطاقة" استحوذت على حصة 45%  والشركة القطرية للطاقة على حصة 25 % من هذا المشروع.

وعن التكاليف المادية للحرب في العراق ، فقد قدرتها لجنة الميزانية الأميركية في العام الماضي بنحو 1.9 تريليون دولار، وهو رقم لا بد من توفيره بشكل ما من أشكال نهب الثروة الوطنية للعراق.

 ويمكن رؤية النتيجة بوضوح في نتائج استطلاع أجري في العراق بداية العام الحالي، وأشار إلى أن 51% من المواطنين العراقيين يعتقدون أن الولايات المتحدة غزت بلادهم عام 2003 بهدف نهب موارد النفط والغاز في العراق وان الادعاءات الأمريكية عن ان غزوها للعراق كان يهدف الى الإطاحة بنظام البعث غير صحيحة.

ومن المؤكد أنه إذا أجريت مثل استطلاعات الرأي هذه في دول أخرى في المنطقة، فسوف تتلقى إجابات مماثلة من الناس، وهو ما يعتبر إنذارا مهما لقادتهم وحكوماتهم.

نهج سياسي موحد ضد البلطجة والغطرسة والنهب

إن الوضع في عالم اليوم وفيما يتعلق بالتواجد الغربي في المنطقة واضح جدا لدرجة أن الكثيرين، ومع هذا المستوى من الشفافية حول اسباب التواجد،يطرحون دائما السؤال لماذا تستسلم دول المنطقة لمطالب الغرب وتجاوزاته إلى هذا الحد؟

سؤال أجاب عنه قائد الثورة الاسلامية في جزء من تصريحاته مؤخرا، فقال: "من المؤكد أنه لا توجد دولة تريد قوة أجنبية تأمروتمنع وتتدخل في شؤونها وسياستها وقراراتها . فمن الواضح ان عليهم الاستسلام، لماذا؟ لأنهم وحدهم."

واشار سماحته  في اجابته ايضا، الى ان شعوب وحكومات كل من ليبيا والعراق وسوريا وأفغانستان ونظرا لتجربتهم مع الوجود والتدخل الأمريكي في شؤونها الداخلية، يمكنها أن تتحدث بشكل أفضل من أي مجموعة ومؤسسة عن العواقب الكارثية لهذا التدخل. لكن بالنسبة لدول أخرى في المنطقة، فإن هذه الحقائق لا تشكل عامل إنذار لإنهاء الوجود الأمريكي، بل أصبحت سببا لمزيد من التبعية والخوف من واشنطن.

وفي المقابل، تابع قائد الثورة بأن الجمهورية الاسلامية الايرانية تتفهم اسباب وجذورهذا الخوف، وتقترح "الوحدة" كحلّ للتغلب عليه.

واستطرد سماحته في هذا السياق موضحا:" انه اذا كنا متحدين ومعتمدين "نهج سياسي موحد" فلن تتجرأ امريكا على التدخل ولن يكون بوسعها فعل اي شيء يذكر.وينبغي لرؤساء الدول والسياسيين والنخب والخبراء التفكير جديا بهذه المسألة ويقيّموا فوائدها."

أعداء وحدة الأمة الإسلامية

ولفت قائد الثورة الى ان الطريق المباشر الذي أوضحه القرآن لأمته والذي أكدت عليه الجمهورية الإسلامية الايرانية منذ أربعين عاما، هو المتمثل بهذه الآية من سورة آل عمران: " وَاعتَصِموا بِحَبلِ اللَّهِ جَمیعًا وَلا تَفَرَّقوا".

وتابع سماحته،  لكن أصبح التمسك بحبل الله وتجنب الانقسام في العالم الحالي أصعب من أي وقت مضى، لأن وحدة المسلمين لها أعداء وهذه الوحدة تهدد الكثير من مصالحهم لذلك يستخدمون كل الأساليب والأدوات لمواجهتها.

ومع التغيرات التي طرأت على النظام الدولي والوضوح الأفقي للتعددية في العالم، فإن أمريكا التي طالما ادعت في القرنين الماضيين الهيمنة على العالم، سوف تعارض وتحارب مؤسسي ومروّجي أي نوع من الاستراتيجية والقراروالعمل الذي يشكل كتلة جديدة من القوى في العالم ويعرض مصالحها للخطر.

وعليه، فإن الارتباط بين المسلمين ووحدة دول المنطقة، التي تمتلك أكبر قدر من موارد النفط والطاقة، يعد من أكثر كوابيس البيت الأبيض إثارة للخوف لانه سوف يهدد المصالح الامريكية في المنطقة.

ولذلك ،فإن امريكا التي تأخذ أكبر قدر من المنفعة والربح في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية من الخلافات بين الدول الإسلامية ولحماية هذه المنفعة فإنها تستغل وتتمسك بأي مؤامرة من الترويج للحرب إلى إنشاء وتقوية نظام الاحتلال.

لكن الوحدة هي الترياق لكل هذه المؤامرات السامة والعامل الوحيد الذي يزيل ظلال الحرب عن المنطقة ويخلق السلام الدائم.

واذا اعتمدت إيران، السعودية، العراق، لبنان، سوريا، مصر، الأردن، والتي هي كأهم دول الشرق الأوسط، "نهج سياسي موحد " مبني على تعاليم كلمة الوحي ونبي الاسلام محمد المصطفى (ص) لقطع الطريق على التجاوزات امريكا وحلفائها سوف تخلق الاستقرارعلى اساس القوة الإقليمية.

 وفي ظل هذا الاستقرار، سوف يقل ​​عدد وشدة هجمات العدو السياسية والاقتصادية على شعوب المنطقة وسيتضاءل دور الغرب في خلق النزاعات وخاصة النزاعات الحدودية، وستكون الموارد الطبيعية للدول متاحة للشعوب أنفسها.

لقد انتهى التدخل والإسراف في الشؤون السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية للدول، وأخيرا فقدت الجماعات الإرهابية الفرصة والمنبر للتعبير عن نفسها.

ان وجهة النظر الاستراتيجية لمفهوم "الوحدة" ليست وليدة اليوم، انما كانت محط اهتمام سياسات الجمهورية الإسلامية الإيرانية وكلام مؤسسها وقائدها منذ سنوات وتعتبر من أهم أركان الفقه السياسي الشيعي.

ووجهة النظرهذه،هي صائبة في مواجهة الفكر التكفيري والتقسيمي وتتضمن مسارا ثابتا لبناء أمة موحدة قادرة على حماية استقلالها وكرامتها من جهة، ومصالحها السياسية والاقتصادية من جهة أخرى.

انتهى**ر.م