طهران /30 كانون الاول/ديسمبر/ ارنا - المجزرة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني البريء، وخاصة سكان قطاع غزة، والتي خلفت حتى الآن نحو 80 ألف شخص بين شهيد وجريح، وأكثر من 70% منهم نساء وأطفال. ورغم أنها صدمت العالم وتسببت في احتجاجات واسعة النطاق في جميع أنحاء العالم، ليست بالأمر الجديد بالنسبة للأجيال الفلسطينية على مدى 75 عاما الماضية.

ان استمرار أعمال القتل واغتصاب الأراضي وتدمير الأماكن العامة مثل المستشفيات والمساجد والمعابد اليهودية والكنائس وتصويرها، والتي أصبحت مكشوفة أمام أعين مليارات البشر بفضل كاميرات الهواتف المحمولة في السنوات الأخيرة، له سبب واحد رئيسي وهو شعور الكيان المزيف بحصانة ضد أي نوع من الجرائم التي يرتكبها بدعم من القوى العالمية وخاصة أمريكا.

ورغم أن هذا الدعم بدأ فعليا عام 1917 بوعد بلفور الذي أصدره وزير الخارجية البريطاني انذاك، إلا أن ختم الموافقة على اغتصاب الأرض الفلسطينية وقتلهم تم وضعه عام 1948 بصدور أول قرار للأمم المتحدة تحت عنوان "تقسيم فلسطين". والنقطة المثيرة للاهتمام للغاية هي أن القرار الأول لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (181) كان يسمى "تقسيم فلسطين"، وبعبارة أخرى لم يكن لهذه الأرض اسم وعنوان سوى فلسطين حتى ذلك اليوم.

الاهداف الاولية للمؤامرة

في هذه المؤامرة، كان من المفترض أصلاً أن يتم تشكيل دولة ثنائية القومية، لكن وزير الخارجية البريطاني آنذاك "إرنست بيفن" كان قلقاً من أن غالبية السكان هم من الفلسطينيين وبالتالي سينتصرون على اليهود المهاجرين. ونتيجة لجهود ترومان الرئيس الأمريكي آنذاك، والذي كان هو نفسه تحت ضغط من اللوبي الصهيوني، تمت متابعة خطة تشكيل الحكومتين من خلال الأمم المتحدة بتخصيص جزء أكبر من الأراضي الفلسطينية للصهاينة من حصة السكان الاصليين.

إن إصرار الدول العظمى وخاصة بريطانيا وأمريكا على تشكيل حكومتين في ذلك الوقت ،وكانت إيران من الدول التي عارضت تشكيل الحكومتين ، كان له سبب واضح، وأنه إذا كان من المفترض أن تحدد العملية الديمقراطية مصير أهل هذه الأرض، ونظرا لكون اليهود أقلية حتى بمن فيهم المهاجرين الذين دخلوا فلسطين، فإن نتيجة العمل لم تكن كما ترغب السلطات، ولهذا السبب نفذت هذه الدول خطة مؤامرة البلدين.الامر الذي يسمح بإقامة الدولة اليهودية من ناحية ، وفي الوقت نفسه من ناحية اخرى يمنع تشكيل الدولة الفلسطينية من خلال اغتصاب المزيد من الأراضي من الفلسطينيين تدريجيا،وبذلك يكون تمهيد الطريق للمحو الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني الحقيقي.

وهكذا، وبهذه الطريقة نفذت إسرائيل، بدعم من أمريكا والقوى الغربية الأخرى، مؤامراتها بأساليب عنيفة لطرد الفلسطينيين من وطنهم بطرق مختلفة، بما في ذلك بناء المستوطنات ونقل اليهود من جميع أنحاء العالم إلى هذه المستوطنات.

انهيار النظام العالمي ثنائي القطب

ومع انهيار النظام العالمي ثنائي القطب وتوفير الأرضية لمزيد من الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة لدعم هذا الکیان، اصبحت الساحة الدولية مهيأة أيضا لإظهار القوة من قبل الکیان الصهیوني.

ولكن من المؤسف أنه في عام 1991، وباستغلال الأجواء التي خلقتها بداية انهيار الاتحاد السوفييتي وخلق آمال كاذبة لدى الدول الغربية فيما يتعلق بالسلام والاستقرار الإقليميين والدوليين، واستغلال أمريكا للوضع، نجح الكيان الصهيوني في إلغاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 لعام 1975، الذي صدر بعد ان ادانت الجمعية العامة في قرارها 3151 المؤرخ في 14 كانون الاول/ديسمبر 1973 التحالف الآثم بين العنصرية في افريقيا الجنوبية والصهيونية،والذي تقرر فيه "ان الصهيونية شكل من اشكال العنصرية والتمييز العنصري".

ولاحقا، أد اجتماع مدريد واتفاق أوسلو، فضلا عن التراجعات المتتالية أمام المغتصبين والمجرمين الإسرائيليين ،الى زيادة عدوانية هذا الكيان وارتكاب المزيد من الجرائم ضد الفلسطينيين واغتصاب أراضي أجدادهم.

و من خلال استخدامها حق النقض (الفيتو) لحوالي 50 مرة لدعم جرائم هذا الكيان في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ،لم توفر امريكا الحصانة اللازمة للافلات من عقاب جرائم الحرب والابادة التي ترتكبها اسرائيل فحسب، بل افقدت مصداقية أهم ركيزة للأمم المتحدة  والتي كان من المفترض أن تحقق السلام والأمن الدوليين لجميع البشر.

وضف على ذلك،الدعم السياسي للدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، من خلال تقديم مختلف أنواع الأسلحة والمساعدة لهذا الكيان  بما في ذلك تطوير الأسلحة النووية وإنشاء ترسانة مكونة من عدة مئات من الرؤوس النووية. كما ان هذه الدول قد أعلنت عمليا أمام العالم أنها لا تعرف اي حدود لدعم هذا الكيان الإجرامي القاتل للأطفال، ولن تتوقف عن دعمه في أي حال من الأحوال.

إن ضمائر الإنسانية المتيقظة والنخب وعامة الناس تتساءل لماذا لا تفي المنظمات الدولية بمسؤولياتها في هذا الصدد، وهل يمكن من حيث المبدأ، مثل هذه المؤسسة على المستوى الدولي أن يخلق السلام والأمن لجميع الدول دون تمييز؟ حتى الآن، لم يكن هناك مثل هذا المستوى من الغموض واليأس تجاه المؤسسات الدولية للعالم. في مثل هذه الحالة، ومن أجل خلق الأمل في إمكانية إقامة العدل والسلام، من الضروري أن تفي هذه المنظمات بمسؤولياتها تجاه الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي يرتكبها هذا الكيان.

الكيان  الإسرائيلي يهدد باستخدام السلاح النووي

الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي من المنظمات المسؤولة في هذا الصدد ، وعندما هدد وزير التراث في حكومة الكيان الاسرائيلي أهل غزة الأبرياء بالأسلحة النووية، نددت الجمهورية الإسلامية الايرانية على الفوربهذه النية الرهيبة.

وردا على تصريحات وزير التراث الصهيوني وكذلك تصريحات نائبين في الكنيست الصهيوني  وايضا تصريحات رئيس وزراء هذا الكيان بالجمعية العامة للأمم المتحدة والتي قال فيها "قبل كل شيء، يجب مواجهة إيران بتهديد نووي ذي مصداقية"،وجه رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية رسالة في العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر من هذا العام للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية طالبا منه أن يأخذ بعين الاعتبار هذه التصريحات المخالفة للقوانين والأنظمة الدولية والاعتراف الواضح بحيازة هذا الكيان للأسلحة النووية، إضافة إلى إدانة مثل هذه التصريحات الرهيبة من خلال عرضها على مجلس الأمن الدولي بدعوة هذا الكيان إلى الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي NPT ووضع منشآته وأنشطته النووية تحت رقابة الوكالة .

وبالطبع وبعد مرور شهر وبضعة أيام من هذه الرسالة،ارسلت الدول الإسلامية والعربية بيانا مماثلا الى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، مؤكدة على أن العدوان الإسرائيلي يشكل انتهاكا واضحا للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، وأدانت بشدة تصريح وزير التراث الإسرائيلي واعتبرته تهديدا وتحريضا على ارتكاب الجريمة النكراء المتمثلة في استخدام الأسلحة النووية ضد الأبرياء.

كما اعتبرت الدول الإسلامية والعربية في هذا البيان أن تصريحات الوزير الإسرائيلي تشكل عائقا أمام تحقيق الهدف النهائي المتمثل في عالم خال من الأسلحة النووية، متجاهلة تماما النظام الدولي لنزع السلاح ومنع الانتشار الذي تعد الوكالة هي إحدى الجهات الراعية له.

تجاهل مطالب المجتمع الدولي

كما شددت الدول المذكورة على أن حالة الحصانة التي تتمتع بها إسرائيل قد وصلت الى درجة أن سلطات هذا الكيان  تقترح بسهولة استخدام الأسلحة النووية ضد سكان قطاع غزة البالغ عددهم  مليونين و 200 الف نسمة، داعية المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن يطلب دون تأخير من إسرائيل الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي كدولة غير حائزة على أسلحة نووية وتفكيك جميع منشآتها النووية وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 487 وكذلك قرار المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رقم 2009 بشأن القدرات النووية لهذا الکیان، ووضعها تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ويذكر البيان، بأن طلب المجتمع الدولي من هذا الكيان، الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي، وقبول الضمانات وإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في غرب آسيا، والتي يعود تاريخها إلى قرار مجلس الأمن رقم 487 لعام 1981 بعد هجوم هذا الكيان على المنشآت النووية العراقية وحتى الآن مع تجاهل هذا الکیان الكامل للأنظمة الدولية بما فيها قرارات المؤتمر العام للوكالة ذات الأرقام 407 عام 1983 ، وقرار444 عام 1985 ، وقرار 475 عام 1987، وقرار 526 عام 1990 ظلت كلها دون جدوى تذكر.

وللاسف فإن رغبة المجتمع الدولي لم تتحقق كما جاء في قرار مجلس الأمن رقم 487 لعام 1981 فقط ، بل إن القرارات اللاحقة المتكررة والمتعددة التي أفلتت بطريقة أو بأخرى من الفيتو الأمريكي، لم تجعل هذا الكيان يمتثل للقواعد والأنظمة الدولية في مجال السيطرة على الأسلحة النووية.

ومن هذه القرارات التي ظلت جميعها دون نتائج، بالإضافة إلى قرار مجلس الأمن رقم 487، قرار مؤتمر مراجعة وتمديد معاهدة حظر الانتشار النووي عام 1995، الذي حدد خلاله الموعد النهائي لقبول منطقة خالية من الأسلحة النووية من قبل هذا الكيان بحلول عام 2000.

ولم يكتف هذا الكيان بعدم الاهتمام بهذه الطلبات وتحديد الموعد النهائي، بل بعد سنوات قليلة من الموعد المحدد بموجب الحصانة التي خلقتها القوى الغربية، هاجم هذه المرة موقع دير الزور في سوريا بجرأة أكبر. كما ظلت الطلبات المتكررة من المجتمع الدولي في شكل قرارات لمجلس الإدارة والمؤتمر العام في عامي 2009 و2010 دون جدوى.

تطور غريب للوكالة الدولية للطاقة الذرية

وفي عام 2011، وفي تطور غريب لها ، وعلى الرغم من دعمها الدائم لسوريا كعضو تحت الحماية بسبب الهجوم الإسرائيلي،فقد غيرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية نهجها تحت ضغط الدول الغربية وبدلا من معاقبة إسرائيل، عكست القضية السورية الى مجلس الأمن. أي أن هجومي هذا الكيان على دولتي العراق وسوريا، رغم أنهما في البداية لقيا انتقادات وإدانة دول العالم بما فيها القوى الغربية، لكن عندما هدأت الحمى التي سببتها هذه الهجمات التي تناقضت تماما مع القوانين والأنظمة الدولية، استبدلت مكان الضحية بالجلاد. وبدلا من إسرائيل، تم استجواب دولتي سوريا والعراق والضغط عليهما من قبل المنظمات الدولية.

كما فشلت مؤتمرات مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي واجتماعاتها في الأعوام 2012 و2015 و2019 و2021 و2022 في تحقيق النتيجة المرجوة لهدف المجتمع الدولي المتمثل في إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط والمحدد لعام 2020.

وينبغي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بناء على الطلبات التي تقدمت بها الدول الإسلامية والعربية و انطلاقا من واجبها الأصيل، بالإضافة الى عرض الأمر على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وبموجب الفقرة "ب" من المادة 17 من دستورها،ان تطلب من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة رأيا استشاريا  من محكمة العدل الدولية (ICJ) بشأن التهديد باستخدام الأسلحة النووية.

ففي عام 1995، أرسل الأمين العام للأمم المتحدة، بناءً على القرار رقم 49/75 لعام 1994 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، رسالة إلى الأمانة العامة لمحكمة العدل الدولية على شكل سؤال، " هل ان استخدام الأسلحة النووية أم التهديد باستخدامها يمس حقوق الإنسان؟ وهل تم الحصول على الإذن الدولي؟ وطلب رأيا استشاريا من المحكمة بهذا الخصوص.

وفي  8 تموز/ يوليو 1996 أصدرت المحكمة رأیها الاستشاري. ووفقا لهذه النظرية، فإن أهم القوانين الدولية ذات الصلة بموضوع السؤال هي القوانين والأنظمة المتعلقة باستخدام القوة، وبناء على أن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها معلن بغض النظر عن نوع السلاح المستخدم أو التهديد باستخدامها، فيحكم على استخدام القوة أو التهديد باستخدامها وفقا للفقرة 4 من المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة، بحيث يحظر استعمال القوة ويحظر التهديد بها أيضا.

وفي الوقت نفسه، يجب أن يحترم استخدام قوة حقوق الإنسان في الصراعات. كما أشارت المحكمة إلى ان الممارسات والاعراف الدولية واختلاف وجهات نظر الدول المختلفة فيما يتعلق بعدم استخدام الأسلحة النووية خلال 50 عاما (حتى ذلك الحين) والقوانين المتعلقة بحماية أرواح المدنيين في الحروب، وما إلى ذلك، قدمت عمليا  نظرية غامضة في هذا الصدد.

ومن المؤكد أنه بالنظر إلى مرور 27 عاما على تقديم هذا الرأي الاستشاري والتغيرات الكبيرة التي طرأت على المستوى الدولي والمخاطر الجديدة التي تهدد السلم والأمن الدوليين، فإنه من الضروري أن تطلب الدول رأي جديد من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ولا ينبغي أن نغفل أن جرائم الکیان الصهیوني والتهديد باستخدام الأسلحة النووية وزيادة انتشار أسلحة الدمار الشامل من قبل هذا الكيان ليس سببها غموض في الأنظمة الدولية، بل إن ذلك نتيجة الحصانة التي أوجدتها الدول الغربية وخاصة أمريكا لهذا الكيان على شكل مظلة واقية للإفلات من العقاب على جرائمه ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجرائم الحرب.

ولهذا السبب، بالإضافة إلى الجهود القانونية من خلال محكمة العدل الدولية، والجهود السياسية التي تبذلها دول العالم المحبة للسلام باستخدام الآليات الدولية القائمة، بما في ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة، العمل الإعلامي المستمر في فضح الجرائم المرتكبة على المستوى الدولي، يمكنها عزل القوى الداعمة لإسرائيل، ووضعها في موقف تضطر فيه إلى الخضوع لإرادة المجتمع الدولي.

انتهى**ر.م