بسم الله الرحمن الرحيم
أيها القرّاء المحترمون، ويا أساتذة وأهالي القرآن الكريم الأعزاء
إنّ آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك في هذا العام، إضافة إلى أنّه أهمّ موعد للتعبير عن امتعاض العالم الإسلامي من السلوك الوحشي لأعداء الله في فلسطين؛ يستطيع أيضًا أن يكون بداية للوحدة الحقيقية والعظيمة للمسلمين، في وجه هذا الظلم المتمثّل بهذا الكيان، وهذا الظالم المعلون. ويستطيع أن يعبّر عن الرفض لهؤلاء المجرمين، الذين قد أحيوا، حقيقةً وليس مجازًا، تجربةَ وقصةَ أصحاب الأخدود المشؤومين. إنّنا إذا لم نصدح، في هذه الظروف الراهنة، بغضبنا وامتعاضنا من سلوك الصهيونيين الحيواني والوحشي، ونذكّرهم ببطش الله الشديد؛ فكيف سنستطيع أن نجيب القرآن الكريم في يوم الحشر؟ إنّنا إذا لم نرفع الصوت عاليًا اليوم في وجه جرائم الصهيونيّين السفاكين الخبثاء؛ كيف لنا أن نكون مرفوعي الرأس بين يدي رسول الإسلام العظيم (صلوات الله عليه)، حينما يشكو قومَه بسبب هجران القرآن الكريم؟ وإذا سكتنا اليوم عن الجرائم المرّة التي تُرتَكَبُ بحقّ النساء والأمهات والأطفال في غزة، كيف لنا أن نقرأ على مسامع المسلمين في العالم، آيات القرآن الكريم النورانية حول الجهاد والعدل ومواجهة الظلم؟
أيها القرّاء، ويا أساتذة وأهالي القرآن الكريم المحترمين
شهر رمضان المبارك، هو فرصة مناسبة في كلّ عام، كي يصدح المسلمون في العالم تحت راية وحدانية الله عز وجل، ونبوّة الرسول المكرّم صلوات الله عليه، بشعار الأنبياء الدائم. ويتأسّوا بنبيّ الإسلام، فيرفعوا راية العدل ومواجهة الظلم، ويطلقون نداء التوحيد ورفض الطاغوت ليدوّي في العالم. وطبعًا ليتابعوا المطالبة بالحق بثبات بعد هذا الشهر المبارك، إلى حين انتصار الإسلام وأمة القرآن.
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ... (النحل 36)
كلّنا نشاهد ونرى أنّ ما جرى وما يجري على فلسطين الحبيبة في شهر رمضان في هذا العام، ودماء الأبرياء التي يسفكها أعداءُ الله والرسول بلا رحمةٍ، والحرمات التي ينتهكونها بدمويّة، والنساء والأطفال الذين يذبّحونهم بقسوة، والأنفس المحترمة التي أباحوا دمها، قد جعلت هذه الأيّام مُرّةً على المسلمين وكلّ الأحرار والأنفس اليقظة.
في هذه الظروف، التي قلّ نظيرها من حيث العنف والمصائب في مدة الست وسبعين عام التي مضت على احتلال فلسطين، يأتي شهر رمضان ويوم القدس فرصةً مهمّة وقيّمة لتجديد العهد، وتوحيد الصوت مع مظلومية الشعب الفلسطيني. الشعب الذي لم ولن تنكسر مقاومته الفولاذية في وجه الطاغوت.
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ (الزمر 17)
فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة 256)
أيها القرّاء، وأساتذة وأهالي القرآن الكريم المحترمون
غزّة اليوم تتجلّى فيها بشكل كاملٍ بعض الآيات من القرآن الكريم، التي تكلّم فيها رب العالمين عن مواجهة الظلم، وحرمة أنفس المؤمنين، وعن العدل. غزّة اليوم تذكّرنا بالأيام الصعبة والمليئة - في آن واحد - بالمفخرة، في صدر الإسلام؛ مثل أيام شِعَبِ أبي طالب. وكذلك تذكّرنا بكلّ المصائب التي صُبَّت على أنبياء الله وأوليائه على مدى التاريخ. غزة اليوم في مقدّمة صراع الحق والباطل. ليست غزّة مجّرد جريح بخنجر ظلم المحتل الفاجر، بل هي ساحة نزاع بين حضارة الأمة الإسلامية وتيار الاستكبار في العالم، وهو صراع يؤثّر مباشرة على مصير الأمة الإسلامية. ليست القضية الفلسطينية أداة للتجاذبات السياسية بين القوى في المنطقة، بل هي مفتاح أبواب التحرّر، والفرج والفتح للأمّة.
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحج 40)
أيها المسلمون!
حقًّا إنّ سكوتنا اليوم مصداق لإعانة هؤلاء الظالمين المعروفين في التاريخ! الصرخة هي أقلّ ما يجب علينا فعله في إجابة الدعوة الإلهية، وهو نقطة انطلاق جهادنا العام...
وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا (النساء 75)
الآن، على رغم سكوت، بل تماشي ومشاركة بعض الدول الإسلامية مع الشيطان المحتلّ، لقد آلمت مظلوميةُ المسلمين الصائمين في غزة، الضمائرَ الصاحيةَ عند الناس في أقصى بقاع الأرض. وأنا بدوري، وبصفتي خادم صغير للقرآن الكريم، وبالنيابة عن أهالي القرآن في جمهورية إيران الإسلامية، وعن الناس الشرفاء الذين يفتخرون دائمًا بأنّ شعارهم القدس؛ أدعوكم أن توظِّفوا كلّ قدراتكم وإمكاناتكم الإعلامية، والدعائية، والاجتماعية، من أجل تحويل يوم القدس - وليس هذا اليوم فحسب، بل من اليوم فصاعدًا – إلى ساحة حرب مهيبة لأجل زلزلة أركان ظلم وجور الصهاينة وشركائهم في العالم، وجَعلِ يوم القدس يومًا للتعاطف ومؤازرة طوفان شعب غزة المظلوم والمقتدر. وإنّ هذا الهدير الإنساني، الجماعي، والعالمي، سوف يؤدّي بلا ريب – طبق الوعد الإلهي – إلى زوال كيان إسرائيل غير الشرعي الغاصب، إن شاء الله تعالى. التاريخ الماضي بكلّ عِبَرِه ماثلٌ أمام أعيننا، ويرينا كيف أنّ الشعب والأمة الإسلامية، قد أيقظت أهلها وأوعتهم. إلى حدّ أنّها وضعت بعض التيارات الاجتماعية والحكومات المحلية، بل الحكومات العالمية في اتجاه ومسار الحق. ونأمل ألّا نُكتَب في يوم الحشر من الساكتين في هذه الفتنة العالمية. ونستطع أن نرفع رأسنا بأفعالنا وأقوالنا ومواقفنا، في امتحان الشرف والإنسانية هذا، بين يدي الله عز وجل ورسول الإسلام العظيم والقرآن الكريم.
والسلام عليكم ورحمة الله
أخوكم، محمد القمّي
رئيس شورى تنمية الثقافة القرآنية ورئيس منظّمة التبليغ الإسلامي في جمهورية إيران الإسلامية
شهر رمضان المبارك 1445 هجري قمري
فروردين (الحمل) 1403 هجري شمسي
نيسان 2024 ميلادي