طهران/7 تشرين الاول/اكتوبر/ارنا-ها قد دخلت عملية طوفان الاقصى التاريخية عامها الثاني مخلدة في الذاكرة مشاهد بطولية لا تُنسى، مسطرة انبل السرديات عن مقاومة وصمود الشعب الفلسطيني وموثقة سجل من العار والاذلال للكيان الصهيوني لا يُمحى و مؤكدة على اخلاص محور المقاومة بدعم لا ينضب.

بدأت الرواية في أوّل ساعات الصباح من يوم السبت 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 حيث استيقظ العالم على وقع عملية تاريخية في فلسطين المحتلة مازالت تداعياتها في اوجها الى يومنا هذا. عملية عسكرية نوعية مُمتدة شنَّتها فصائلُ المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وعَلى رأسِها حركة حماس عَبر ذراعها العسكري كتائب الشهيد عز الدّين القسام.

طوفان الاقصى جاءت ردا على جرائم وانتهاكات الاحتلال الاسرائيلي

اختارت المقاومة الفلسطينية للعملية اسم "طوفان الأقصى" دلالة الرد على انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة للمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية في مدينة القدس.

إذ أعلن قائد الأركان في كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) محمد الضيف، بدء العملية ردا على انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في باحات المسجد الأقصى واعتداء المستوطنين الإسرائيليين على المواطنين الفلسطينيين في القدس والضّفّة والداخل الفلسطيني المحتَل.

وبدوره قال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد صالح العاروري بأن مجاهدي قطاع غزة بدؤوا عملية واسعة بهدف الدفاع عن المسجد الأقصى وتحرير الأسرى مؤكدا أن المعركة هي تتبير للاحتلال الإسرائيلي، وقد جاءت للرد على جرائمه المستمرة.

وهكذا عصفت عملية طوفان الاقصى بالكيان الاسرائيلي مسجلة أكبر هجوم على هذا الكيان منذ عقود وشملت هجوما بريا وبحريا وجويا وتسللا للمقاومين الى عدة مستوطنات في غلاف غزة.

وبعد ان استفاق الكيان الصهيوني من الصدمة التي الحقته بها عملية طوفان الاقصى، جن جنون هذا الكيان واستفرس بكل ما اوتي من استبداد مطلقة عملية عسكرية ضد قطاع غزة سماها عملية "السيوف الحديدية"، وبدأها بقصف جوي همجي وعشوائي مكثف على القطاع  في حين دوت صافرات الإنذار في المستوطنات المحيطة بغلاف غزة كما وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي إجلاء لكامل المستوطنين في الغلاف.

طوفان الاقصى عملية استباقية لخطة الاحتلال بغزو قطاع غزة

واذا ما رصدنا تصريحات المسؤولين الصهاينة قبل عملية طوفان الاقصى، نرى في تصريحاتهم تأكيدا على سردية المقاومة الفلسطينية القائلة بأن العدو الاسرائيلي كان قد اتخذ قرارا بشن حرب خاطفة ومدمرة على قطاع غزة المحاصر.

وعليه قامت حماس بعمليتها هذه لإحباط مخطط الاحتلال الاسرائيلي وقامت بخلط الأوراق كافة وبجر هذا الاحتلال للدخول في مربع رد الفعل والاستنزاف المتراكم والمتدحرج بشريا وعسكريا واقتصاديا.

واما عن تصريحات مسؤولي الاحتلال الاسرائيلي في نيسان/ابريل 2023، فقد صرح وزير الأمن الصهيوني المتطرف إيتمار بن غفير أن الحكومة التي هوعضو فيها يجب أن ترد بقوة على إطلاق الصواريخ من غزة بحيث اعتبر ان صواريخ حماس تحتاج لرد يتجاوز قصف الكثبان الرملية ومواقع غير مأهولة، مضيفا بأنه قد حان الوقت لتتدحرج الرؤوس في قطاع غزة.

وبعدها بـ 30 يوما، توعّد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بـاحتمال إعادة احتلال قطاع غزة، كحل جذري للاشتباكات المتكررة مع الفصائل الفلسطينية في القطاع مشيرا حينها إلى أنه من المحتمل أن يأتي الوقت للعودة إلى داخل غزة وتفكيك حماس ونزع سلاحها.

تعامل الاحتلال مع قطاع غزة

فضحت عملية طوفان الاقصى عن طبيعة هذا الكيان الوحشية، بحيث تجلّت نظرة الاحتلال الاسرائيلي لقطاع غزة واهله بعد أيام قليلة من طوفان الأقصى، حين أعلن وزير الدفاع يوآف غالانت أنه لا بد من حصار غزة لمحاربة الحيوانات البشرية على حد تعبيره، مطالبا بقطع الكهرباء والطعام والوقود عن القطاع.

الى ذلك، استشهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بنص من التوراة في أثناء إعلانه العدوان على غزة، قائلا يجب أن تتذكروا ما فعله العماليق بكم.

بينما ذهب وزير التراث عميحاي إلياهو للحديث عن إسقاط قنبلة نووية على القطاع الفلسطيني ضمن أحد الاحتمالات في الحرب الحالية.

الكيان الاسرائيلي المستبد ضرب بعرض الحائط كل القوانين

لم يهدأ الطوفان على الرغم من محاولات اخماده واللجوء الى المفاوضات والحلول الدبلوماسية وذلك بسبب الكيان الصهيوني المتعطش لسفك دماء الابرياء وقتل الاطفال، كيف لا وهم من يطبقون نظرية "صاحب البيت قد مسه الجنون" على حد تعبيرهم، الايلة الى الاستخدام المفرط للقوة ولمزيد من القوة العسكرية دون الاخذ بعين الاعتبار اي استثناءات حقوقية انسانية ودولية.

بدأ الاحتلال الاسرائيلي حربه على قطاع غزة ظنا منه أنه قادرعلى إنهاء وجود حركة حماس هناك وفرض شروطه ورؤيته على القطاع ومستقبله، وبدأ بقصف المدنيين وطواقم الإسعاف والدفاع المدني والطواقم الصحفية ودور العبادة والمدارس والمستشفيات، وعلى مدى عام ارتكب افظع الجرائم اللانسانية بتاريخ البشرية ضاربا بعرض الحائط كل المقررات والقوانين الدولية.

ما لم يأخذه العدو الاسرائيلي بالحسبان ان عدة أطراف ستدخل الحرب مما يؤدي الى اتساع نطاقها وتحويلها لحرب إقليمية تؤثرعلى وجود هذا الكيان المحتل ومستقبله لعدة سنوات.

اتساع نطاق الحرب الى دول الجوار

وهكذا، بدأت تداعيات هذه الحرب تتبلور مع استمرارها وانتهاك الكيان الصهيوني للقوانين الدولية وفي ظل الصمت المطبق للمجتمع الدولي ومؤسساته وخاصة الامم المتحدة وتقاعس بعض الدول العربية والاسلامية عن تحمّل مسؤولياتها وايضا في ظل الدعم العلني والشامل لهذا الكيان وجرائمه ومن قبل الادارة الامريكية وبعض الدول الغربية.

وعلى مرآى العالم اجمع وفي ظل الدعم الشامل لجرائمه هذه من قبل الادارة الامريكية والدول الغربية  يستفحل الكيان الصهيوني بارتكاب جرائم الحرب علنا دون اي رادع ومنها الابادة الجماعية، التهجير القسري، استهداف المرافق الصحية والتعليمية ومنع وصول الأدوية والغذاء ومحاصرة المستشفيات ومنع العلاج.

وفي الجهة الاخرى لم يستطع محور المقاومة ترك غزة واهلها يبادون، واعلن عن فتح جبهات اسناد من لبنان واليمن والعراق وحتى قامت ايران بالدعم الميداني عبرعمليات الوعد الصادق، فكانت الجبهة اللبنانية الاقوى والاكثر احتداما مما جعل الكيان الصهيوني القيام بشن عدوان همجي على لبنان بعد مرور عام تقريبا على عملية طوفان الاقصى.

طوفان الاقصى فضح الكيان الصهيوني

وعلى الرغم من قساوة المشاهد وثقل الجراحات والخسائر الفادحة في الارواح والممتلكات في قطاع غزة الا ان عملية طوفان الاقصى اعزت الامة الاسلامية وزلزلت الكيان الصهيوني وفضحت طبيعته الوحشية بحيث اصبح مضربا للمثل عن الهمجية والوحشية والدمار والخراب واللاانسانية.

ووفق العديد من المراقبين فإن ما أنجزته المقاومة ومحورها خلال هذا العام فاق تصورات أنصارها وأعدائها على حد سواء. ففي أحد تقاريرصحيفة واشنطن بوست، ذُكر بأن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ما زالت راسخة في مواقعها بعد مرور عام من الحرب "الإسرائيلية" التي أعلنت أن القضاء على حماس أهم أهدافها.

وعلى الجانب المقابل، نقلت صحيفة واشنطن بوست عن قادة في حركة حماس قولهم إن رئيس المكتب السياسي يحيى السنوار لم ينجُ فحسب بعد مرور عام على السابع من تشرين الأول/ اكتوبر، بل إنّه يضع أيضا الأساس لإعادة ظهور حماس.

 وبيّن مراقبون اخرون، انه وبسبب ضربات المقاومة المسددة تدحرجت رؤوس كثيرة بمواقع القيادة في الكيان الإسرائيلي إذ قدم العديد منهم استقالاتهم بشبب الإخفاق الذي مني به الاحتلال ذلك اليوم، فقد استقال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) أهارون هاليفا.

كما استقال عدد كبير من المسؤولين بمكتب المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيليي، واستقال للواء يوسي شارييل قائد وحدة الاستخبارات "الإسرائيلية" 8200 عقب الضربات الموجعة والمدمرة من حزب الله على هذه الوحدة، ومن المنتظر استقالة آخرين ما أن تضع الحرب أوزارها.

وبات جيش الاحتلال يعاني من نقص القوى البشرية، وقد حذّر تقرير لهيئة الأركان العامة في اذار الماضي من نقص حاد في الموارد البشرية، بسبب مقتل مئات الجنود وإصابة الآلاف غيرهم، وقال إن هناك حاجة إلى 7 آلاف جندي لنقلهم إلى جبهات القتال.

تشتت وانقسام في المجتمع الصهيوني

وقد أظهر استطلاع للرأي قامت به هيئة البث "الإسرائيلية " أن 73% من "الإسرائيليين" يعتقدون بالفشل أمام حماس، في حين قال 86% من الإسرائيليين إنهم غير مستعدين للعيش في مستوطنات غلاف غزة بعد انتهاء الحرب.

كما اظهر أجرته قناة "كان" التابعة لهيئة البث الرسمية "الإسرائيلية" أن 23% من "الإسرائيليين" فكروا خلال العام المنصرم (منذ تشرين الأول/اكتوبر 2023 تشرين الأول/اكتوبر 2024) في المغادرة بسبب الوضع السياسي والأمني الراهن.

وفي أيلول /سبتمبر الماضي، كشفت معطيات رسمية صدرت عن دائرة الإحصاء المركزية عن تزايد ملحوظ في ظاهرة هجرة "الإسرائيليين للخارج" حيث غادر أكثر من 40 ألفا خلال الأشهر السبعة الأولى من 2024.

وما زالت الحرب في أوجها وهي بعيدة عن الحسم حاليا، وكلما طال أمدها زاد احتمال اتساعها وهو ما يحدث حاليا، ولكن هناك عديدا من المؤشرات لصالح المقاومة، خاصة في ظل أسلوب الاستنزاف الذي تتبعه مع الاحتلال.

انتهى**ر. م