واضاف في مقال نشر اليوم السبت: إن شعوب هذه الجغرافيا، كان لها، ولا يزال، الدور الحاسم في رسم المصير السياسي للعالم الإسلامي. ذلك أنه، وخلال قرون متمادية، تتعرض كما يحصل من منذ عقود، لضربات عنيفة ناجمة عن انتقال الأزمة اليهودية – المسيحية في اوروبا إلى منطقتنا، بعد الحرب العالمية الثانية، خصوصاً بسبب تجاهل الحقوق السيادية لشعوب هذه المنطقة.
وتابع: خلال كل سنوات عملي كدبلوماسي، كان الحوار قائماً حول محور الأزمة الفلسطينية. وكنت أواجَه دوماً بهذا الاستدلال من قبل الزملاء الأوروبيين الذين يكررون لازمة أن "الشعب الألماني يشعر بالخجل، وبتحمل المسؤولية نتيجة مجازر النازيين ضد اليهود".
واردف: هذا كلام سليم، لأن السلوك الوحشي الذي ساد تلك الفترة القاتمة من تاريخ أوروبا، ترك جراحاً غائرة في جسد أهل تلك القارة، وخلّف وراءه عدداً من القروح الخبيثة علی جسد بقية دول العالم.
وقال عراقجي: إن بلدي إيران، ورغم حيادها، تعرضت للاحتلال بسبب تداعيات تلك الحرب الكبرى، وتجرّع شعبي وبلدي مرارة الخسائر التي لا تعوَّض بسبب ذلك الاحتلال.
واضاف: طوال المباحثات الدبلوماسية، كانت الأطراف الأخرى تُعرب عن خجلها، وتعلن تحملها للمسؤولية عما جرى. وكان يتبادر إلى ذهني سؤال مباشر يتصل بأحوالنا اليوم: من يتحمل المسؤولية عن العار والخجل الناجمين عن جرائم إسرائيل. فهي تحتل أراضي الفلسطينيين، وتنتهك كل الوقت، كل القرارات الدولية، وتمارس العدوان على وحدة أراضي وسيادة الدول المجاورة لفلسطين المحتلة. وتستمر في مضايقاتها للناس، وتعرقل مسار إرسال المساعدات الإنسانية، وتقوم بالاعتداءات الجوية ضد المدنيين. ولتبيان العار والخجل تكفي الاشارة إلى النموذج الأخير، حيث ارتكب "هولوكوست" فظيعا، في مستشفى "شهداء الأقصى" يوم 14 تشرين الأول / أكتوبر 2024، وحيث يتجسد النموذج المعاصر للإبادة الجماعية، التي تقوم بها الحكومة النازية في معسكر غزة.
وقال: ظروف هذه الأيام واتساع نطاق جرائم إسرائيل الهمجية وامتدادها إلى سوريا تضيف سؤالاً جديداً إلى سؤالي السابق: من المسؤول عن تعديات إسرائيل على أراضي دولة تعاني من ظروف مخاض صعبة لحكم وولادة حكم آخر؟ إن التعبير عن الأسف والإعلان عن القلق هما أبسط الكلمات، وأحياناً أكثر الكلمات التي لا معنى لها، المستخدمة في أدب العديد من "الدول المسؤولة عن تغيير مصير شعوب غرب آسيا".
واضاف: اليوم، يمر أكثر من 75 عاماً، حيث تبقى "المقاومة"، هي السبيل الوحيد المتاح أمام أبناء هذه المنطقة، لمواجهة الاعتداءات السافرة للكيان الصهيوني، وفي مواجهة الدعم العلني له من الدول التي تتنصل من المسؤولية عن الكوارث القائمة.
وتابع: لقد تبلورت "المقاومة" في أذهان الآباء والأمهات، وتجلّت في السواعد القوية لأبناء المقاومة، وعُبّر عنها بأشكال مختلفة ومتنوعة. وظلت صورة المقاومة طوال هذه المدة قائمة بحسب مقتضيات الزمان والقدرة والإمكانات، لكنها، بنت ثقافة نموذجها وفقاً لثلاثية "أطفال الحجارة" كما رسمها الشاعر السوري نزار قباني. صحيح أنه لم يعش أيام غزة الحالية، لكنه رسمها بدقة في آفاق مخيلته:
"يا تلاميذ غزة
علمونابعض ما عندكم
فنحن نسيناعلمونا"
واضاف عراقجي: إنه ذلك الشاعر الذي رسم صورة تآزر الشيعة والسنّة، وتشكيل جبهة مشتركة بين شعوب سوريا والعراق ولبنان وإيران وبقية دول المنطقة، وهي الصورة التي مثّلت طوق نجاة للعالم الإسلامي يوم واجهت عدوان "داعش".
"سمّيتك الجنوب
يا لابساً عباءة الحسين
وشمس كربلاء
يا شجر الورد الذي يحترف الفداء
يا ثورة الأرض التقت بثورة السماء
يا جسداً يطلع من ترابه
قمحٌ وأنبياء
سمّيتك الجنوب
يا قمر الحزن الذي يطلع ليلاً من عيون فاطمة
يا سفن الصيد التي تحترف المقاومة...
يا ضفدع النهر الذي
يقرأ طول الليل سورة المقاومة"
واضاف: إن هذا النتاج الأدبي، يدل على ثبات وصمود أهالي الشام ضد الكيان الصهيوني، كما يعكس مودتهم وتعاطفهم مع "حزب الله"، وهي التي ازدادت سرعة وشدة لا مثيل لها خلال حرب تموز عام 2006، وهي مشاعر لم تكن مستوردة أو أداة تم ضخها من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وتابع وزير الخارجية الايراني: إنه من السذاجة بمكان، أن نتصور أنه بتغيير لون علم دولة سوف تتغير الرؤى والتطلعات الاجتماعية لذلك المجتمع. إن الشعب السوري هم أولئك الشجعان، الذين سطّروا ملحمة المقاومة في حرب تشرين عام 1973. كما إن وجهة نظر أبناء سورية الأحرار في الدفاع عن القضية الفلسطينية، كانت سبباً أساسياً في تبدد آمال الأعداء، بانفصال سوريا عن جبهة المقاومة، رغم انضمام نظام الحكم العروبي البعثي السابق إلى صفوف المشاركين في مؤتمر مدريد.
واردف: من وجهة نظري، أعتقد أنّ أحداث سوريا الأخيرة، يجب ألّا تؤدي إلى انتهاك السيادة، ولا الاعتداء على وحدة الأراضي وفشل مؤسسة الحكومة الوطنية في هذه الدولة. وربما من المناسب، أن نأخذ بحكمة أدونيس، ودعوته مواطنيه إلى أن يتريثوا قبل صدور الحكم. لقد كان رأيه صائباً حين قال "إن الشعب السوري في كنه وجوده لا يرفض التغيير بل يرفض السلوك والأساليب التي تؤدي إلى نتائج تتنافى مع ذات التغيير".
واضاف: لذلك، فإن الأحداث الأخيرة تشكّل فرصة سانحة من أجل إظهار الاحترام لآراء كل المكونات القومية، واحترام كل الاتجاهات الفكرية الموجودة في سوريا.
وتابع عراقجي: إن سوريا اليوم تمر باختبار صعب. هناك تهديد ناجم عن تحركات التيارات الإرهابية كـ"القاعدة" و"داعش"، وهذا ما فاقم من القلق في المنطقة، كما إن هناك خشية من أن يجعل الإرهابيون سوريا حاضنة آمنة لهم.
واضاف: من ناحية أخرى، هناك تحديات، ناجمة عن الاعتداءات والتدخل العسكري للكيان الصهيوني ومن خلفه أميركا، وحلفائهما الإقليميين من الخارج. هؤلاء ارتكبوا أخطاء إستراتيجية لا تُغتفر في حساباتهم، وهو أمرٌ لا يمكن كتمانه. إن الاعتداءات والتدخل هدفهما الواضح هو هدم الصروح الاجتماعية والثروات العلمية والبنية التحية الاقتصادية والقدرة الدفاعية لسوريا.
وقال: رغم المصاعب التي تعتري هذا المسار، والضربات الناجمة عن هجوم الجيوش الأجنبية على سوريا، إلا أنه يمكن النظر بوضوح، إلى وجود شعب، هو من طينة الشعب السوري نفسه، ويعيش في جوار سوريا. شعب أعزل، لكنه يتسلح بمعنويات عالية، وإيمان راسخ. وها نحن نراهم في مخيم جباليا الصغير، يقاومون الاعتداءات البرية والجوية للجيش الصهيوني طوال شهرين بكل شجاعة وبسالة.
واعتبر إن السبيل للخروج من المأزق الحالي، والحفاظ على راية الاستقلال، واحترام شموخ الشعب السوري، وبقاء رايته خفّاقة، يكون عبر الحفاظ على الانسجام والتعايش بين أبناء هذا البلد. كذلك، عبر الانتخابات الحرة، ضمن سياق تقرير مستقبل هذا البلد على أيدي جميع أبنائه.
وختم تقريره، إن احترام اصوات الشعب، يتم عبر انتخابات حرة ونزيهة تعكس إرادة الشعب السوري، وتقود إلى تشكيل نظام سياسي اختارته كل مكونات المجتمع. وهو ما يشكل لبنة وتوجه السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في إطار القرار 2254 لمجلس الأمن الدولي.
انتهى ** 2342