وکتب محسن باك آيين في تقرير عن حتمیة هزیمة الکیان الصهیوني: على أعتاب اليوم العالمي للقدس تتحدث وكالات الأنباء العالمية، بما في ذلك الصحافة الصهيونية، عن الأوضاع الإقتصادية والسياسية والأمنية الوخيمة للكيان الصهيوني مضیفا : منذ عدة أشهر ومع عودة بنيامين نتانياهو إلى رئاسة الحكومة الصهیونیة، كان واضحاً أن توجهاته المتطرفة أثارت حفيظة وإمتعاض الكثير من حلفاء وأصدقاء هذا الكيان، وسرعان ما ساعد في عزلة الکیان الصهیوني و انزوائه.
وأضاف في التقرير أن إصرار نتانياهو على تجاهل الموازين الدولية ومواثيق الأمم المتحدة، ورفضه لإقامة الدولة الفلسطينية، والإصرار على مواصلة بناء المستوطنات بمحاذات المناطق التي يقطنها الفلسطينيون، والإيغال بالممارسات العنصرية إزاء ذوي الاصول العربية، وانتهاك حرمة المسجد الاقصى، كل ذلك شکّل عوامل رئيسية للأحداث التي يشهدها الكيان المحتل اليوم. ولا يخفى أن مثل هذه الأحداث كانت تعصف بعلاقات اسرائيل الدولية ايضاً خلال الدورات السابقة لرئاسة نتانياهو للحكومة، غير أنها باتت بنحو متسارع في المرحلة الراهنة.
واستطرد حدیثه أن مواقف نتانياهو غير المتوقعة في الأيام الأولى من توليه رئاسة الحكومة، دفعت بالجمعية العامة للامم المتحدة للمطالبة باكثرية الآراء، باعتماد قرار محكمة لاهاي الدولية بشأن ماهية الإحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية. وأوضح التصويت بأن الدول العربية والاسلامية، وحتى تلك التي سلكت مسار التطبيع مع تل ابيب، كانت قد صادقت لصالح فلسطين. واستناداً إلى النتائج التي أسفر عنها الإستفتاء الذي اجراه مركز الأبحاث القطري في خمس عشرة دولة عربية، أن ٨٤ بالمائة من الذين شاركوا في الإسفتاء أعربوا عن معارضتهم لتطبيع العلاقات مع اسرائيل. علماً أن هذه النسبة بلغت ٩٩ بالمائة في بعض هذه الدول مثل الجزائر وموريتانيا.
أما الخطوة التالية لحكومة نتانياهو كانت قد تمثلت في اقتحام بن غفير، وزير الامن الداخلي للكيان المحتل، المسجد الاقصى وانتهاك حرمته، التي حظيت بردود فعل غاضبة من قبل الشعوب وكبار المسؤولين في الدول العربية والإسلامية.
وقال إن تزامن هذه التحركات مع بطولة كأس العالم لكرة القدم، أدى الى تجلي التضامن مع الشعب الفلسطيني ومعارضة الكيان الصهيوني، سيما من قبل مشجعي المنتخبين التونسي والمغربي، ما وجه صفعة قوية للصهاينة. كما أن ردود فعل مشجعي المنتخبات الأخرى غير المسلمة مثل البرازيل والبرتغال، دفعت بعض المحللين إلى اعتبار الأحداث الجانبية التي شهدتها بطولة كأس العالم بمثابة احتضار تطبيع العلاقات بين اسرائيل والدول العربية.
وأضاف أن توجهات نتانياهو الداخلية، بما في ذلك تعيين مدراء مغرضين غير مؤهلين، وعدم الإلتفات إلى المتطلبات المعيشية للمستوطنين، وتزايد نسبة التضخم، والارتفاع الفاحش لأسعار البيوت والمواد الغذائية، وانتشار الفساد الاداري، كل ذلك أدى هو الآخر الى مضاعفة إستياء وتذمر الرأي العام. ولعل هذا ما دفع صحيفة التايمز الاسرائيلية الى التنبؤ بقصر عمر حكومة نتانياهو، وأن الكيان الصهيوني سرعان ما سيواجه سقوط هذه الحكومة وحلول حكومة اخرى محلها.
وفي هذا الصدد يرى خبراء ومراقبون من دول غرب آسيا، أن الدافع الرئيسي الذي يقف وراء تمادي نتانياهو في مواقفه المتطرفة وممارسة المزيد من الضغوط ضد الشعب الفلسطيني، والظهور في موقف المتشدد إزاء البرنامج النووي الايراني، يكمن في محاولة التغطية على مشكلات اسرائيل الداخلية خاصة في المجال الإقتصادي.
وصرح: على الرغم من العلاقات الوثيقة التي كانت بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونتانياهو، والسياسات المتطرفة التي أقدم عليها البيت الأبيض بما في ذلك انتقال السفارة الأميركية إلى بيت المقدس وابرام صفقة القرن، غير أن الكيان الصهيوني عجز عن استقطاب الإجماع الدولي، بل و حتى الأوروبي، لصالحه. وفي عهد الرئيس بايدن ايضاً كنا قد شهدنا تدني مستوى العلاقات الأميركية الاسرائيلية وإنها لم تكن قوية كما في السابق، وبالتالي ان تولي نتانياهو لرئاسة الحكومة ليس بوسعه استقطاب الإجماع الدولي لصالح هذا الكيان.
وأضاف مع الأخذ بنظر الإعتبار كل ذلك، يرى معظم الباحثين في الآفاق المستقبلية، أن وجود شخص متطرف وغير منطقي مثل نتانياهو في رئاسة الحكومة المصطنعة، إنما يصب لصالح اعداء هذا الكيان، بما فيهم الشعب الفلسطيني، ومحور المقاومة، والجمهورية الاسلامية الايرانية، وبالتالي خلق فرص جديدة لمواجهة الكيان الصهيوني الغاصب والتصدي لمخططاته.
وتابع: تشير الدراسات والبحوث التي تتناول الآفاق المستقبلية، الى أن طريقة ظهور وإضمحلال النظام العنصري في افريقيا الجنوبية، تشبه إلى حد كبير الأوضاع التي تمر بها اسرائيل في الوقت الحاضر. وإن دراسة هذه الاوضاع والتأمل فيها يمكن أن يصور لنا بشكل نسبي مستقبل الكيان الصهيوني. ذلك أن النظام العنصري في افريقيا الجنوبية كان قد انهار وتلاشى عقب الاستفتاء العام الذي أجري في عام ١٩٩٢، وانتهى رسمياً مع تولي نلسون ماندلا لرئاسة الجمهورية عام ١٩٩٤.
وصرح بالتقریر : بالنسبة للأوضاع التي أفضت إلى ظهور نظام التمييز العنصري في كل من افريقيا الجنوبية واسرائيل، نحاول فيما يلي الإشارة بايجاز إلى جانب من ذلك:
١ ـ ان كلاً من النظام العنصري في افريقيا الجنوبية والكيان الصهيوني كان قد تم تأسيسهما عام ١٩٤٨ على يد الحكومة البريطانية. وفي افريقيا الجنوبية كانت المصادقة على قانون التمييز العنصري بمساندة ودعم دعاة التمييز العنصري الأوروبيين، خاصة بريطانيا. وطوال خمسة وخمسين عاماً عانى السود من أبناء هذا البلد انواع العذاب، وضياع الحقوق الاساسية لملايين الناس. كما عمل البريطانيون باصدارهم لوعد بالفور في عام ١٩١٧، على ايجاد (وطن قومي للشعب اليهودي) في فلسطين، وكان ذلك بمثابة مقدمة لتأسيس الكيان الصهیوني المصطنع، وشروع المجازر الصهيونية عام ١٩٤٨.
٢ ـ كان دور المهاجرين بارزاً تماماً في تأسيس النظام العنصري في كل من افريقيا الجنوبية واسرائيل. المهاجرون البيض الأوروبيون، خاصة من هولندا وألمانيا وفرنسا وبریطانیا، توجهوا إلى افريقيا الجنوبية بدوافع عنصرية، وحاولوا ترسيخ وجودهم وسلطاتهم في هذا البلد، عبر مصادرة الحقوق الانسانية للسود الملونین واستخدام العنف والقمع والإضطهاد. ولدى قيام اسرائيل اضطلع اليهود المهاجرون من روسيا وأوروبا و ... بدور رئيسي في ذلك. وهكذا وباحتلال الأراضي الفلسطينية ودعم ومساندة الدول الأوروبية، عملوا على اقامة الكيان الدخيل والمصطنع وتأسيس دولة اسرائيل لكل من هب ودب من المهاجرين.
٣ ـ كان الدين بمثابة العنصر المشترك الثالث في تأسيس هذين الكيانين. في افريقيا الجنوبية حاولت المسيحية ترسيخ وجودها بالإستلهام من بروستانت الكنيسة الهولندية وتحكيم أفضليتهم العنصرية، وبالتالي تطبيق القوانين التي تبرر مشروعية التمييز العنصري. وفي اسرائيل ايضاً، عملت الصهيونية السياسية عبر التفسير المضلل للتعاليم اليهودية، على ترويج وإرساء القومية اليهودية. ومن خلال اشاعة االتوجهات البنيوية، اعتبرت اتباع هذا الدين هم العنصر الأفضل. الصهيونية ومن خلال هذا التوجه، تعتبر اليهود هم أصحاب ارض فلسطين الأصليين، وبالتالي مصادرة أراضي الفلسطينيين بمختلف الأساليب الوحشية والمجازر الفضيعة.
٤ ـ توفيرالأمن كان بمثابة إحدى الذرائع التي تم الترويج لها في ارساء النظام العنصري خلال مرحلة الحرب الباردة. وبناء على ذلك كان قرار التصدي للإتحاد السوفيتي والشيوعية. كما أن الترويج الإعلامي لتأسيس اسرائيل تمحور حول مواجهة العرب الذين يعارضون اقامة دولة يهودية. وفي الحقيقة أن كلا الكيانين كانا يواجهان معضلات أمنية نظراً لإفتقارهم للمشروعية، ولذلك ومن أجل توفير الأمن، اعتبروا الحرب والعنف مباحاً بحق الملونين في افريقيا الجنوبية، ومع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وكذلك في المواجهة مع دول الجوار.
أما فيما يتعلق بإنهيار نظام التمييز العنصري في افريقيا الجنوبية، ووجه الشبه بينه وبين تصدع الكيان الاسرائيلي وانهياره، فلابد من الإلتفات إلى عدة أمور منها:
ألف ـ إثر ظهور التمييز العنصري في عقدي السبعينيات والثمانينيات، بدأت حكومة جنوب افريقيا ببناء مستوطنات للسكان من غير البيض. وكانت الحكومة تهدف من وراء عزل الملونيين عن أصحاب البشرة البيضاء، الإرتقاء بالمستوى الأمني للبيض. غير أن هذه المستوطنات تحولت إلى مراكز لإحتجاجات السود ضد الحكومة، وظهور ما يشبه الإنتفاضة الفلسطينية في جنوب افريقيا ايضاً. اسرائيل ايضاً بعد حرب الأيام الستة في عام ١٩٦٧، عملت على ايجاد مستوطنات لليهود في الأراضي المحتلة لدوافع أمنية، وقامت بتقديم إغراءات متعددة من قبيل الدعم المالي وخفض الضرائب وتقديم خدمات مدنية رخيصة لأجل تشجيع اليهود المهاجرين على السكن في هذه المستوطنات. وما يذكر أن بناء هذه المستوطنات قوبلت بمعارضة شديدة من قبل الفلسطينيين وبالتالي إندلاع إنتفاضات متعددة.
ب ـ وعلى أثر الاحتجاجات الشعبية المستمرة في جنوب إفريقيا، واستنكار المجتمع الدولي للجرائم التي يرتكبها نظام التمييز العنصري ومعارضة بناء المستوطنات، أبدت الامم المتحدة ردود فعل إزاء ذلك تجسد بمقاطعة بروتوريا، على الرغم من الدعم الذي يحظى به النظام العنصري من قبل بریطانیا وفرنسا والولايات المتحدة. وفي عام ١٩٦٢، اعتبرت الأمم المتحدة بإصدار القرار رقم ١٧٦١، وجود التمييز العنصري وانتهاك حقوق الانسان في جنوب افريقيا، يشكل تهديداً للصلح والسلم الامني.
اسرائيل ايضاً ومع تزايد بناء المستوطنات، أدانت الأمم المتحدة موقف الحكومة الاسرائيلية بمنح تراخيص بناء مستوطنات لليهود في الضفة الغربية. حتى السفير الأميركي اعتبر مواقف تل ابيب هذه تشكل خطراً على حل الدولتين في الأراضي المحتلة. كما اقدم الإتحاد الأوروبي على مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، ومن ثم المزيد من المقاطعة العلمية و الاقتصادية، حتى في مجال الألعاب الترفيه التسلية.
إضافة إلى تأييد الجهات الدولية صحة وجود تمييز عنصري ضد ذوي الأصول العربية داخل اسرائيل. في الحقيقة أن الجرائم المتشابهة التي ترتكب داخل إفريقيا الجنوبية واسرائيل، ادّت إلى ايجاد تغييرات أساسية في نظرة المجتمع الدولي إزاء هذين النظامين العنصريين.
ج ـ بروز الإختلافات الداخلية في جنوب افريقيا ازاء كيفية المواجهة مع الملونین وتصاعد الإحتجاجات الشعبية، أدى الى إستقالة رئيس جمهورية جنوب افريقيا المجرم بيك بوتا وأن يحل محله دكلرك، الذي أضطر إلى إطلاق سراح نلسون ماندلا الموافقة على إجراء استفتاء عام لإختيار نوعية نظام الحكم في البلاد. والكيان الاسرائيلي العنصري هو الآخر، ونتيجة للخلافات بين الاحزاب السياسية وتصاعدة موجة الإحتجاجات والمواجهات الشعبية، سيما بعد مجيىء نتانياهو وتسلمه مقاليد الحكم، دخل مرحلة جديدة لم يعدد بالإمكان تجاهل شعارات (إنهاء التمييز العنصري) و (إطلاق سراح السجناء السياسيين).
د ـ مع قيام الثورة الاسلامية في ايران ومساندة الحركات المعادية للعنصرية، ودعم استقلال ناميبيا، و إطلاق سراح ماندلا، وإعطاء الأولوية لتحرير فلسطين بإعتبارها القضية الأولى بالنسبة للعالم الاسلامي، إضافة الى تشكيل محور المقاومة، كل ذلك ساعد في الإسراع بانهيار وتلاشي النظام العنصري، وبالتالي التسريع بزوال اسرائيل.
وفي النهاية وبعد سنوات النضال الدامي لشعب جنوب افريقيا ضد التمييز العنصري، ومعارضة المجتمع الدولي للعنصرية، أضطرت حكومة جنوب إفريقيا إلى إجراء إستفتاء في عام ١٩٩٢، وعلى الرغم من عدم السماح للسود بالمشاركة في هذا الإستفتاء، غير أن السكان البيض في هذا البلد صوتوا لصالح إلغاء نظام التمييز العنصري والتخلص منه.
وأضاف :اليوم حيث نقف على أعتاب يوم القدس، ثمة شواهد متعددة نظير تصاعد الإنتفاضة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتنامي المعارضة الدولية لتوسيع المستوطنات، إضافة الى إضطراب الأوضاع الداخلية، وتوجهات محور المقاومة، كل ذلك يلفت إلى تسارع مسار تداعي الصهيونية وإنهيارها. وبمرور الوقت وبالتدريج، أخذ أبناء الأراضي المحتلة ـ سواء المسلمين والمسيحيين واليهود ـ يتطلعون إلى وضع حد للأوضاع غير المستقرة، وذلك من خلال المطالبة بإجراء الاستفتاء الذي دعت اليه الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وختم التقریر بالقول: لا يخفى أن عمر النظام العنصري في افريقيا الجنوبية لم يتجاوز الخمسين عاماً، لذا فان عمر الصهيونية في الأراضي المحتلة لن يكون طويلاً هو الآخر. وإن ما اقترحة سماحة قائد الثورة الاسلامية آية الله الخامنئي، مستمد من وقائع ماثلة على الأرض، ويعتبر حلاً عملياً.
انتهی**3280
تعليقك