وقد أجرى وزير الخارجية الايراني "حسين أمير عبد اللهيان " مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمز البريطانية في جنيف، نورد تفاصيلها ادناه:
كسؤال أول ،هل الجمهورية الإسلامية الايرانية معنية بالدخول في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة بشأن غزة؟
أعتقد أن قضية غزة تعود الى الفصائل الفلسطينية وهم الجانب الرئيسي فيها.لذلك، فإنه بالأساس اذا اردنا القول بأن إيران والولايات المتحدة ستدخلان في حوار مباشر حول التطورات في غزة ربما ليس سؤالا دقيقا للغاية.
لكن كدولة لها تأثير في المنطقة على الفصائل الفلسطينية وعلى فصائل محور المقاومة حسب تفسيرك، الا يمكن أن يساعد الحوار بين إيران والولايات المتحدة في تخفيف التوترات؟
فيما يتعلق بقضية التطورات الاخيرة في فلسطين ،تم تبادل الرسائل بيننا وبين الأميركيين عبر مكتب رعاية المصالح الأميركية في طهران اي السفارة السويسرية خلال الأربعين يوما الماضية. وقد نقل الأميركيون بعض النقاط عبر هذه القناة الدبلوماسية، وقمنا بالرد عليها عبر هذه القناة ايضا.
هل يمكنك تقديم المزيد من التفاصيل حول هذه الرسائل، وما هي المخاوف التي يتم نقلها؟
في الأيام والاسابيع الأولى من الحرب، حاول الأميركيون إيصال رسالة مفادها أنهم لا يسعون الى توسيع نطاق الحرب وطلبوا من إيران ممارسة ضبط النفس، وكذلك طلبوا من حزب الله ممارسة ضبط النفس في رسائل مماثلة الى بيروت.
لكن في المقابل انحازت امريكا بشكل كامل الى الكيان الاسرائيلي، ولم تتردد في إرسال كل المرافق العسكرية والأسلحة التي يحتاجها هذا الكيان ونتيجة لذلك استعرت الحرب.وعلاوة على ذلك ، أمريكا نفسها لم تلتزم بعدم توسيع رقعة الحرب، وتابعت علانية قضية زيادة حدتها وتواصل القتل والإبادة الجماعية بحق أهل غزة والضفة الغربية.
وبالطبع، قلنا في رسالة ردا على الولايات المتحدة بأن إيران لا تسعى الى توسيع الحرب، ولكن مع النهج الذي تتبعه الولايات المتحدة وكيان الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة، ومع عدم توقف جرائم الحرب ضد أهل غزة والضفة الغربية، فإن كل الاحتمالات مفتوحة وقد يصبح توسيع نطاق الحرب أمرا لا مفر منه.
هل هدد الأميركيون في رسائلهم الى إيران بأنهم قد يهاجمون إيران إذا دخل حزب الله الحرب مع إسرائيل على نطاق أوسع؟
لم نتلق مثل هذه الرسالة.
هل كان لرسائل أميركا تأثير على عدم دخول حزب الله في حرب أوسع مع إسرائيل؟
من الطبيعي أن يكون للرسالة الأميركية تأثير معاكس على حزب الله. ليس فقط ان هذه الرسالة لا تجعل حزب الله حذراً في قراره، بل على العكس من ذلك ،وبحسب معرفتنا بحزب الله،فد اصبح أكثر تصميما على أفعاله ويتخذ قراره بشكل مباشر.
وفي واقع الميدان ،فان حزب الله دخل اليوم مرحلة حرب مع الكيان الاسرائيلي، وما سيتخذ من إجراءات وخطوات في الساعات والأيام المقبلة،هو أمر يعود الى قرار حزب الله، وليس إلى رسالة أميركا الى حزب الله.
بخلاف القناة السويسرية التي ذكرتها، هل كانت هناك قنوات دبلوماسية أخرى مثل عمان وقطر أوصلت أمريكا من خلالها رسالتها الى إيران؟
لا يهم أي قناة كانت، فالمهم هنا هو الرسالة ،و بالنسبة لنا فإن القناة السويسرية هي قناة دبلوماسية رسمية لأنها مكتب رعاية مصالح الأمريكية.
وهذه هي القناة الأهم بالنسبة لك؟
إنها القناة الأكثر رسمية بالنسبة لنا.
هل دمرت هذه الأزمة التي نشأت بعد 7 تشرين الاول /اكتوبر الإمكانيات والآمال التي تحققت بين إيران والولايات المتحدة بعد تبادل السجناء في اتخاذ المزيد من إجراءات التهدئة؟ وبالتالي لا يمكن لإيران وامريكا الانتقال من هذه المرحلة الى مرحلة اخرى في الوقت الحالي؟
بطبيعة الحال، فإن الوضع الحالي في المنطقة، والإبادة الجماعية في غزة، والشحن واسع النطاق حتى للأسلحة المحظورة والفوسفورية من القواعد الأمريكية في المنطقة لاستخدامها من قبل الكيان الصهيوني، لها تداعيات مختلفة في المنطقة.
لكن خلال هذه الفترة لم نتبادل الرسائل فيما يتعلق بالمحادثات غير المباشرة السابقة مع أمريكا، لأن قضية فلسطين والتحرك الذي اتخذته حماس ضد الاحتلال الاسرائيلي كان صادما لأمريكا والكيان الاسرائيلي لدرجة أنني أعتقد أن كل طاقة أمريكا تتركز اليوم على قضية الكيان الإسرائيلي.
وهل الامر كذلك بالنسبة لجهود إيران في هذه القضية ؟
تواصل فصائل المقاومة في المنطقة، كحركة اصيلة ومتجذرة، جهودها وتحركها للتصدي للاحتلال. وبطبيعة الحال، فإن إحدى أولوياتنا الرئيسية هي السعي لتحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة، ومن هذا المنطلق فإن الحرب والعنف والعدوان والإبادة الجماعية في المنطقة هي قضية مهمة لا تهتم بها إيران او أمريكا فقط لكن جميع دول المنطقة ايضا، و بل إنها اجتذبت اليها جزءا مهما من دول العالم النشطة والفاعلة.
أمريكا تقول إنها استهدفت الأماكن التي يستخدمها الحرس الثوري الإيراني شرقي سوريا؛ هل تؤكدون ذلك؟
هناك مجموعات في سوريا والعراق لها هوية في بلدها وأرضها بسبب السياسات الأمريكية الخاطئة في السنوات الماضية في المنطقة وبسبب تشكيل هذه الجماعات في الحرب ضد تنظيم داعش. وهذه الجماعات تقرر بنفسها بناء على مصالحها الخاصة ووفقا للمعلومات التي ينشرها الجانب الأمريكي. وفي هذه الفترة من الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الاسرائيلي بمشاركة امريكا في غزة، تهاجم هذه المجموعات بشكل عفوي بعض الأهداف الأمريكية.
وبدورها تزعم أمريكا أن هذه المجموعات مرتبطة بإيران او تابعة للحرس الثوري الايراني ،ولهذا السبب هاجمت أهدافا في سوريا على مرحلتين . لكن نحن ليس لدينا أي مجموعة تمثيلية في سوريا والعراق وفي المنطقة ككل فهذه المجموعات مستقلة تتخذ قراراتها وتتصرف من تلقاء نفسها.
وكما أعلم أن أحد هذه الأهداف التي تعرضت للهجوم، كان مكانا لمستشارونا العسكريين يحاربون فيه الإرهاب في الماضي إلى جانب قوات ذلك البلد، لكن هذا المكان كان يفتقر الى أي قوات ومرافق ايرانية وقت الهجوم الأمريكي حينها.
هل قُتل أحد من القوات الإيرانية في هذه الهجمات حتى الآن؟
بحسب المعلومات المتوفرة لديه، لم يتم إصابة أي من القوات الإيرانية، وبالطبع إذا وقع مثل هذا الحادث فإن رد إيران سيكون صعبا وقاسيا.
هل يشكل إرسال السفن الأميركية الى مياه شرق البحر الابيض المتوسط تهديدا كبيرا لإيران؟ لأن تحليل ذلك يشير الى انها بمثابة لتوجيه ضربة موجعة لإيران وبأن امريكا لها القدرة على ذلك؟
أنا لست عسكريا، لكن الخبراء العسكريين الاستراتيجيين يعتقدون أن وصول السفن الأمريكية بالقرب من منطقتنا وتوافر هذه السفن ليس دليلا لقوة أمريكا، بل انه يزيد من نسبة ضرر هذه السفن في أي احتمال.
فهل يعني ذلك أن الميليشيات الموجودة في المنطقة يمكنها مهاجمة هذه السفن؟
يجب أن تطرح مثل هذه الأسئلة على العسكريين.
اذاً بهذه الرواية، إذا اراد حزب الله تصعيد هجماته ضد إسرائيل، وتعتبر أمريكا أن حزب الله جماعة ممثلة لإيران. لذلك،يجب ان يكون رد امريكا او اسرائيل على ايران ، فماذا سيكون رد ايران؟
الكيان الإسرائيلي هو المجموعة الممثلة لأميركا، لكن نحن ليس لدينا أي مجموعة تمثيلية في المنطقة. حزب الله هو حركة مقاومة لبنانية مستقلة ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي ولا يتلقى أوامر من إيران لكنه على علاقة جيدة مع إيران.
لا السياسي ولا العسكري يقبل ما تقول، ولنفترض أن الطرف الآخر لا يقبل ما تقوله، وإذا كان حزب الله يريد تصعيد هجماته ضد اسرائيل، واسرائيل بدورها تريد الرد على إيران، فماذا سيكون رد فعل إيران؟
كلما قرر حزب الله تصعيد حدة عملياته في الأراضي المحتلة، فإنه يقرر ويتصرف من تلقاء نفسه.
عندما تلتقي بحماس أو حزب الله، ما هي رسالتك لهذه الجماعات؟
بطبيعة الحال، ونظرا للعلاقة التي تربطنا بهذه الجماعات، فإننا ندعم سياسيا دور هذه الجماعات في المساعدة على أمن المنطقة. كما نتلقى في اجتماعاتنا تقييماتهم وفقا للوضع في المنطقة، وبالطبع نشاركهم الأفكار التي تسعى إليها الجمهورية الإسلامية الإيرانية من أجل السلام والاستقرار والأمن في المنطقة.
لكن في الواقع ما هي نصيحتك لهذه المجموعات؟ هل هذه نصيحة بعدم الدخول في هذه الحرب؟ مثلا، هل تنصح حزب الله بعدم الدخول في هذه الحرب؟ ماذا تقول للحشد الشعبي والحوثيين؟
نحن لا نقدم أي نصيحة لأي من المجموعات المتواجدة في المنطقة سواء حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي التي تواجه عدوان الاحتلال الاسرائيلي، أو سواء الحشد الشعبي أو المجموعات المتواجدة في سوريا ويواجهون تنظيم داعش وحققوا أمن بلادهم.
لم نقدم لهم أي نصيحة ولم نصدر أوامر لهم ولن نفعل ذلك أبدا، فهم مستقلون يتخذون قراراتهم بناء على مصالحهم الخاصة.واما المجموعات التي نشأت في العراق وسوريا ، فذلك لمواجهة ارهاب تنظيم داعش.وبالتالي فان هذه الجماعات ليست غير مبالية بقتل إخوانها المسلمين والعرب في فلسطين، والإبادة الجماعية والجرائم المستمرة التي يرتكبها الكيان الاسرائيلي بحق اهل فلسطين.
وبدورنا نحن نتحمل مسؤولية أفعالنا بكل صراحة وشفافية، وهذا ما حصل حين أطلقنا 13 صاروخا باليستيا على القاعدة الأميركية في عين الأسد ردا على اغتيال القائد سليماني، وقبلنا المسؤولية رسميا آنذاك.
الآن وبعد أن أصبحت القضية الفلسطينية قضية مهمة في السياسة الخارجية الإيرانية، فلماذا لا تدخل إيران في الحرب وتساعد حماس؟
لأن مقاومتها تتمتع بقدرة عالية، وسوف ترون أنه في مرحلة الدخول في الحرب البرية فإن مصير الحرب ستحدده المقاومة داخل غزة. وعلى الرغم من استشهاد أكثر من 14500 مدني، ورغم الجرائم الكثيرة التي ارتكبت في هذه الإبادة الجماعية، الا ان المقاومة دخلت للتو مرحلة العمل الميداني.
هل تطلب منك مجموعات المقاومة التي تقابلها دخول الحرب؟
لا، بل يقولون أن لديهم الكثير من المرافق وقد احتفظوا بقواتهم لليوم الذي يدخل فيه الكيان الإسرائيلي في حرب برية، والتي تعتبر في نظرهم مجرد بداية لمواجهة حقيقية. ونرى ان الكيان الاسرائيلي لم يقم سوى بعمليات القصف المدعومة بالاسلحة والتجهيزات الامريكية، لكن في الايام الاخيرة فقد تغير مشهد المعركة، واصبحت الفرصة سانحة لمواجهة بين قوى المقاومة الفلسطينية وقوات الكيان الإسرائيلي وهي المواجهة التي كانت قوى المقاومة تنتظرها منذ أسابيع.
هل هذا يعني أن نقطة تحول جديدة في الحرب قد حدثت؟ هل تعتبرون ذلك لصالح حماس؟
تعتبر المقاومة الفلسطينية هذه المرحلة لصالحها، وهي تعتقد أن الحرب البرية تعني تقويض الكيان الإسرائيلي. حسنا، نرى أنه في الأيام الماضية تم تدمير أكثر من 80 دبابة إسرائيلية متطورة وجرافات إسرائيلية في هجمات قوات المقاومة. وبحسب تقييم قوى المقاومة فهذه هي البداية، فلا تزال قوى المقاومة وفصائل المقاومة الفلسطينية تتمتع بقدرات عالية من الموارد البشرية والمعدات والمرافق ولم يطلبوا من الدخول في الحرب فقدراتهم عالية.
ماذا عن طلب الصواريخ والطائرات المسيرة؟
لديهم كل شيء وينتجونه بأنفسهم.
هل حماس تنتج ذلك بنفسها؟ أين؟
لا أعرف التفاصيل، لكن المقاومة الفلسطينية تمتلك الإمكانيات اللازمة لإنتاج الأسلحة التي تحتاجها. ويعتقد البعض أن المساعدات الغربية الهائلة لأوكرانيا وفرت عملية تهريب تحت عنوان تهريب الأسلحة، حيث وفر عملاء تهريب الأسلحة الذين اضطروا إلى دخول أوكرانيا، الظروف اللازمة لشراء وبيع الأسلحة في مناطق أخرى. وربما تمكنت قوى المقاومة الفلسطينية من الحصول على بعض هذه الأسلحة.
حتى قبل ان تصل هذه الاسلحة إلى أوكرانيا؟
لا أعرف التفاصيل، لكن يبدو أن الحرب في أوكرانيا وفرت سوقا كبيرة لبيع وشراء وتهريب الأسلحة في العالم.
بما أنك تقول إن وصول القوات البرية الإسرائيلية الى غزة قد خلق فرصة جديدة لحماس ونقطة تحول جديدة، فهل يعني ذلك أننا سنشهد حرب استنزاف طويلة في غزة؟
أعتقد أن الكيان الإسرائيلي لن يتمكن من الصمود في وجه حرب الاستنزاف ، لأنه يواجه اليوم أزمات متعددة الطبقات من الداخل التي لا علاقة لها بـ 7 تشرين الاول/أكتوبر، بل مرتبطة بما قبل ذلك. ولكن في صباح يوم السبت 7 أكتوبر أظهرت العمليات التحريرية لحماس أن الكيان الأمني الإسرائيلي قد انهار بشكل عام.
إذاً حرب الاستنزاف يمكن أن تفيد قوى المقاومة و ليس إسرائيل؟
بطبيعة الحال، عندما تعمل مجموعة ما كحرب عصابات، فإن الحرب الطويلة عادة ما تكون في مصلحة المجموعة هذه وليس في مصلحة الجيش الكلاسيكي.
هل يمكن أن نستنتج أن استراتيجية فصائل المقاومة هي حرب الاستنزاف في غزة؟
أعتقد أنه بالنظر إلى الوضع القائم، وبداية هناك في العالم العربي شعور مشترك بالقلق والتهديد من جانب الكيان الإسرائيلي للجميع، ولهذا السبب ترون ايضا أن حكومات الدول التي قامت بتطبيع علاقاتها مع هذا الكيان، على الرغم من مناهضة شعوبها للكيان الاسرائيلي ،قلقة للغاية بشأن الوضع ، كما ان هذه الجرائم التي ارتكبها الكيان الإسرائيلي على مدى 40 يوما لم تبقي قيمة له.فالصهيوني الذي يذرف دموع التماسيح على الآخرين يُعرف الآن بالجلاد، وعلى الرغم من أن اليهود في الكيان الصهیونی وسكان الأراضي الفلسطينية المحتلة قد أصبحوا ضحايا لسياسات نتنياهو ، فإن نتنياهو اتخذ بحربه هذه مع غزة دافعا شخصيا.
وبحسب بعض المفكرين اليهود، فإن نتنياهو ليس رجل سلام ولا رجل حرب، لكنه يهدم أسس كيان الاحتلال الإسرائيلي. ولا شك في ذلك لأنه وفقا للنظريات الموجودة داخل الأراضي المحتلة إذا توقفت الحرب اليوم، فإن نتنياهو سيسقط غدا. ولذلك فإن لدى نتنياهو دافعا شخصيا لمواصلة هذه الحرب والاستمرار بالقتل.لقد فعل الكيان الاسرائيلي كل ما في وسعه في الأربعين يوما الماضية، فقد قصف مستخدما القنابل الفسفورية و الأسلحة المحظورة، وارتكب الابادة الجماعية بحق النساء والأطفال، وهاجم المستشفيات، وقتل ما لا يقل عن 50 صحفيا منهم زملاء لكم، وقتل أكثر من 4400 طفل. والآن تمتلئ صفحة جرائم الكيان الإسرائيلي والوقت ليس في صالح هذا الكيان.
وفيما يتعلق بوقف إطلاق النار، هل من الممكن وقف الحرب حتى يتم تبادل الأسرى الإسرائيليين؟
هناك مبادرة سياسية مطروحة على الطاولة منذ نحو ثلاثة أسابيع.وقد قمت شخصيا بجولة مشاورات اقليمية وكانت الفكرة هي اتخاذ إجراءات لإطلاق سراح سجناء الكيان الاسرائيلي المدنيين. أجريت مشاورات مع السلطات القطرية، حتى أنني تناولت هذا الموضوع في لقائي مع السيد حسن نصر الله، وأخيرا تحولت مشاوراتنا إلى لقاء مع السيد إسماعيل هنية، القائد السياسي لحركة حماس.وفي ذلك اللقاء طرحت فكرة إطلاق سراح الأسرى المدنيين في غزة، وأعلن القائد السياسي لحركة حماس موافقته على هذا الموضوع. وكانت هذه بداية مبادرة حاول الأصدقاء في قطر إنجاحها، ثم تطورت لاحقا للتبادل مع بعض النساء والأطفال الفلسطينيين الأسرى في سجون الاحتلال الاسرائيلي، مما أدى إلى إعادة فتح معبر رفح لإرسال المساعدات الإنسانية.لكنني قلت اليوم في محادثة مع مسؤولي الصليب الأحمر والأمم المتحدة في جنيف إن الاستنتاج الذي توصلت إليه حماس هو أن الكيان الصهیونی لا يسعى الى إطلاق سراح وتبادل الأسرى، لأنه لو اراد ذلك لقام به قبل ثلاثة أسابيع، ولما قُتل بعض هؤلاء السجناء في قصف الكيان الاسرائيلي.
إسرائيل تلعب بالوقت، ونتيجة لذلك، وعلى الرغم من استعدادات حماس، فإنها تقوم بتحركات دراماتيكية.و لقد تم إبلاغي في نفس الوقت الذي كنت فيه في جنيف، أن وزير خارجية الكيان الصهیونی كان هنا أيضا مع بعض عائلات هؤلاء الاسرى في محاولة للافراج عنهم، لكن على اي حال لم تكن هناك حاجة للمجيء الى جنيف على الإطلاق لان كل شيء كان جاهزا منذ ثلاثة أسابيع مضت لتبادل الأسرى المدنيين، لكن جانب الكيان الإسرائيلي هو الذي لا يقبل.
هل تريدون وقفا كاملا للحرب أم أن الوقف المؤقت الذي اقترحته بعض الدول مقبول لديكم؟ولم نناقش مع حماس كيفية توقف الحرب . وبطبيعة الحال، تسعى حماس إلى أخذ هذه الذريعة من كيان الاحتلال وإظهار أن لديها المرونة اللازمة للحركة الإنسانية والإفراج عن الأسرى المدنيين، ولكن الكيان الصهیوني هو الذي يلعب بالوقت.
هل تعلم أين يتم احتجاز السجناء؟لا اعلم بمكان احتجازهم.
في الأسابيع الأولى من الحرب كان الخوف من توسعها في المنطقة محسوسا بالكامل. فهل تجاوزنا هذه المرحلة الآن؟بناء على تقييمي الشخصي فقد بدأ اتساع نطاق الحرب في المنطقة، وان ما نراه من مستجدات حيث قام الجيش اليمني بإصدار بيان رسمي لاستهداف الأراضي المحتلة بالصواريخ والطائرات المسيرة هو مؤشر على بداية الحرب، أو أن انخراط حزب الله اليوم مع ثلث جيش الاحتلال الإسرائيلي يشير الى بداية مرحلة توسع نطاق الحرب.إلا أن المنطقة لم تدخل بعد مرحلة احتدام واشتداد نطاق الحرب. وأن اي احتمال وارد في حالة الفشل في التوصل الى خطة سياسية ووقف الحرب. وما نراه الآن هو أكثر من بداية لتوسيع نطاق الحرب ونوع من التحذير، ومع استمرار الحرب زادت احتمالية تطورها.
هل خرجت إيران الآن من العزلة السياسية التي واجهتها العام الماضي؟ بمعنى آخر، هل استفادت إيران من حرب غزة في هذا الصدد؟في العام الماضي، لم تكن إيران في عزلة سياسية، بل حاولت أمريكا وبعض الدول الغربية إدخال إيران في حالة من الفوضى من خلال الادعاء والتسييس في قضية وفاة فتاة إيرانية. لكن هذه الدول نفسها التزمت هذا العام الصمت ولم تتخذ أي إجراء في مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أمام الابادة الجماعية التي راح ضحيتها 14500 مدني وامرأة وطفل، وحوالي أربعة أضعاف هذا العدد من الجرحى وأكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني شردتهم حرب غزة .وهنا السؤال يطرح نفسه، أليست الابادة الجماعية بحق 14500 امرأة وطفل قضية مروعة؟ من كان يصدق أن الموت المأساوي لفتاة إيرانية سيقابل بمثل هذا القدر من ردود الفعل، في حين أن الابادة الجماعية بحق النساء والأطفال الفلسطينيين تواجه بصمت الدول نفسها؟ أليس النساء والأطفال الفلسطينيون بشرا؟فقد أخبرني مسؤول أوروبي رفيع المستوى على هامش زيارة خلال الأسبوع الأول من الحرب أن حفيده كان يسأله لماذا سياساتهم في أوكرانيا وفلسطين متناقضة تماما، وانه لم يكن لديه إجابة لهذا المعيار المزدوج الذي من شأنه ان يقنع حفيده.
نحن في العام الماضي لم نكن معزولين، بل شهدنا ذروة التدخل الأجنبي واتخذوا من وفاة فتاة إيرانية ذريعة لتحقيق أهدافهم السياسية، ولكن بعد بضعة أسابيع هدأت تلك الموجة تماما.
في العام الماضي، كان هناك موقفا سلبيا للغاية تجاه المملكة العربية السعودية في إيران، لكن هذا العام التقى السيد رئيسي بالسيد محمد بن سلمان والسيد السيسي. هل قلصت حرب غزة الفجوة بين إيران والدول العربية؟ لا نعتقد أننا إذا تفاعلنا مع عدة دول أوروبية فهذا دليل على عدم الانعزال، وإذا لم نفعل فهو دليل على العزلة. الآن أصبح العالم أوسع بكثير وأكثر تنوعا من النطاق الموجود في ذهنك وفي ذهني. لم نكن معزولين في العام الماضي، ولم نجد وضعا أحدث بكثير هذا العام، وبالطبع كانت هناك انفتاحات في التعاون مع المنطقة والجيران، بما في ذلك عودة العلاقات الإيرانية -السعودية الى حالتها الطبيعية في سياستنا الخارجية.
ماهي توقعاتك عن استمرار الحرب؟إن التنبؤ بالحرب ليس بالمهمة السهلة بالنسبة لي كدبلوماسي، لكن أستطيع أن أقول إن أسرى الكيان الإسرائيلي لن يتم تحريرهم بالحرب مع حماس. وبناء على المعرفة واللقاءات التي أجريناها مع قادة المنطقة وحركة المقاومة، فإن مصير هذه الحرب ستحدده المقاومة وليس كيان الاحتلال الاسرائيلي.
أستطيع أن أتوقع من الآن أنه مثلما انهار النظام الأمني للكيان الإسرائيلي في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، فإن نتنياهو سيستمر في الانهيار وهو الآن على قيد الحياة على التنفس الاصطناعي الأميركي، ولكنه سيتم إزالته قريباً من الساحة السياسية الإسرائيلية.ويقينا أستطيع أن أقول، أنه وبناء على المعلومات التي قدمتها المقاومة، فإن المنتصر في هذه الحرب ليس الكيان الصهیونی بل المقاومة وفلسطين، ولا يمكن إطلاق سراح الاسرى إلا من خلال الدبلوماسية.
هل يمكن أن يتم ذلك من خلال وقف كامل أم وقف مؤقت للحرب؟هذا الموضوع يعتمد على رأي اطراف الحرب الرئيسية، وفي مقدمتها حماس. ويمكن للدبلوماسية أن تحرر الأسرى، لكن لا توجد إرادة لدى الكيان الصهیونی لذلك.
هل تلعب إيران دورا في هذه الدبلوماسية لإطلاق سراح الأسرى؟لقد ناقشنا مع حماس مسألة إطلاق سراح الاسرى المدنيين وقد عبروا عن موافقتهم لنا ولقطر.
انتهى**ر.م
تعليقك