ویصادف يوم 14 ابریل في التقویم الایراني یوم تکریم ذکرى الشاعر الايراني الكبير الشیخ فرید الدین العطار النیشابوري الذي تحوّل الی رائد في الأدب العرفاني مستلهماً من الدین والعرفان، فضلاً عن كون تفكیره وتعقله كنزاً یُظهر بحد ذاته الفكر الایراني الاسلامي أمام العالم.
حیاته
وكان اسمه «محمد» ولقبه «فریدالدین» وكنیته «ابوحامد» من موالید عام 540 هجري، سُمی فی أشعاره ب«العطار» وكذلك ب«فرید» وكان والده «إبراهیم كدكني» واُمه «رابعة» ولاتتوفر معلومات عن أیام طفولته سوی أن والده كان یعمل عطاراً في مدینة «شادیاخ» وواصل هو بنفسه هذه المهنة بعد وفاة والده.
ورأی بعض المؤرخین أن میلاده كان عام 512 أو 513 هجری قتل علی ید المغول في مدینة نیسابور الایرانیة التي أمضى بها ثلاثة عشر عاماً من ایام طفولته وقد أشار عطار في آخر أشعاره أنه في سن السبعین ونیف وهذا ما یدل علی أنه عاش بین 70 و80 سنة، ما یعنی أنه قد یكون من موالید عام 540 هجري.
إن فرید الدین العطار شاعر فارسي متصوف ممیز فضلاً عن كونه فیلسوفاً و عالماً في الریاضیات ومنجماً عاش اواخر القرن الخامس الهجري (القرن الثاني عشر المیلادي).
وأكثر عطار النیشابوري من الترحال، فزار الري والكوفة ومصر ودمشق ومكة والمدینة والهند وتركستان ثم عاد فاستقر في «كدكن» قریته الأصلیة واشتغل 39 سنة من حیاته في جمع أشعار الصوفیة وأقوالهم.
ومن كتبه المتأخرة كتاب اسمه مظهر العجائب وهو عبارة عن منظومة في مدح الامام علي بن أبي طالب(ع) إضافة الی كتابه الشهیر «منطق الطیر».
الشیخ العطار شاعر أبي النفس لم یفتح فمه بمدح الامراء والوزراء ولم یتزلف الى السلاطین والمتنفذین كما هي عادة الشعراء آنذاك ولم یجعل من شعره وابداعاته الشعریة والفنیة وسیلة للارتزاق والتكسب، بل فضل العیش متواضعا بعیدا عن البلاطات والقصور والارتزاق من كد یده، ومن مهنته المحببة الى نفسه وهي العطارة او الطبابة والصیدلة.
وكان یتخلص في قصائده بالعطار، على اعتبار انه كان یمتهن «العِطارَة» أي بیع الادویة وصناعتها وتلقب في أشعاره أیضا باسم «فرید».
وورد في بعض كتب التراجم المتأخرة انه قد تتلمذ في الطب علي ید الحكیم مجد الدین البغدادي، وهو الطبیب الخاص بالسلطان محمد خوارزم شاه، ومن كبار مشایخ التصوف. لكن لا یعتقد ان العطار قد اخذ الطب عنه، حیث لم یرد مثل ذلك في اقدم الكتب التي ترجمت له مثل كتاب «لباب الالباب» للعوفي المعاصر له.
وكان العطار یعد نفسه من سالكی طریق الحقیقة الحقیقیین، ویعتقد بنظریة وحدة الوجود والاتحاد مع الحق، والمحو والفناء فیه. وكان ایمانه العمیق بهذه الفكرة قد خلق لدیه حالة الاستغناء الكامل عن اي احد غیر الله، ولم یعد لدیه من امل وتطلع سوى الى مشاهدة جمال الحق والفناء في كماله. ولهذا لم یكن یعبأ بامراء عصره والحكام الذین كان یتزلف الیهم الشعراء المعاصرون له، ولم یشر في شعره الى اي منهم مادحا او ذاما.
كما كانت لغته الأدبیة لغة سلهة وفصیحة، وكان یعبر عن كل خاطرة وفكرة بشكل بسیط وبعید عن التكلف، وهو اسلوب ربما اقتصر علیه وانفرد به دون غیره. اضف الى ذلك ما كان یعرف به من قوة خیال وباع طویل في خلق المعانی، وتقدیم المعاني القدیمة باسلوب رائع بحیث كانت تبدو وكأنها معان جدیدة.
وقام «ج. اچ. هیندلي» القدیس المسیحي من معهد منشستر عام 1819 للمیلاد بتنقیح جمیل ورائع لنص كتاب «بند نامه» لعطار النیسابوري أي «كتاب النصائح»، تم طبعه في لندن.
وكانت إحدی أهم الشخصیات الاوروبیة التي ساهمت جداً في التعریف بهذا الشاعر الایراني في الغرب «سیلوستر دوساسي» المستشرق الفرنسي في المنتصف الثاني من القرن ال18 المیلادي وبدایات القرن التاسع عشر، الذي ترجم كتاب « بند نامه» وطبعه.
وتلت هذه الترجمة، ترجمة ثانیة لكتاب «بند نامه» الی اللاتینیة قام بها «غابریل غایتلین» عام 1835 میلادي في هلسنكي وطبعها وقام ایضاً «جي. اتش. نسلمان» عام1871 میلادي بترجمة هذه المنظومة الشعریة الی الالمانیة كما ترجمت الی الروسیة علی ید أكادیمي من جامعة سن بطرزبورغ عام 1821 للمیلاد.
وقام المستشرق النمساوي «فن هامر بوركشتال» بترجمة أقسام من كتاب منطق الطیر الی الألمانیة قام بطبعها عام 1818 میلادي في فیینا.
وبعد جیل من المستشرق الشهیر «سیلوستر دوساسي» قام تلمیذه البارز «جوزف اِلیدور غارسن دوتاسي» بدراسات حول الشاعر العطار وكتابه «منطق الطیر» وقام عام 1856 میلادي بعرض ترجمه فرنسیة منثورة عن «حكایة الشیخ صنعان» التي ألفها العطار.
ویمكن الإشارة الی غارسن دوتاسی عام 1858 كأول عالم محترف من جامعة غربیة صب جل اهتمامه بكتاب منطق الطیر وقدم دراسات تفصیلیة موسعة ومنهجیة في الغرب عن هذا الشاعر الایراني.
وترجم «ادوارد فیتزجرالد» المترجم الشهیر لرباعیات خیام تزامناً مع «دوتاسي» كتاب منطق الطیر.
ومن الترجمات الاخری لمنطق الطیر یمكن الإشارة الی ترجمة «مارغرت اسمیث» و«استنلي نات» طبعتا في لندن عام 1954 فضلاً عن «هلموت ریر» (1892-1971میلادی) المستشرق الألماني الشهیر الذي عرض جوانب مختلفة فكریة واعتقادیة عن العطار في كتابه القیم «بحر الحیاة».
صدر حدیثًا كتاب 'الرباعیات المختارة لفرید الدین العطار'، ترجمة الدكتورة منال الیمني عبد العزیز و هذا الكتاب یضم خمسمائة رباعیة للعطار النیسابوري كما قام الدكتور علي عباس زلیخة بترجمة دیوان العطار إلى العربیة .
مؤلفاته:
بندنامه: أي كتاب النصيحة، وهو كتاب صغير مجمل مليء بالمواعظ الأخلاقية، منطق الطير وهو منظومة رمزية، تذكرة الأولياء، الهي نامه، مختارنامه، خسرونامه، مصيبت نامه، جواهر نامه، شرح القلب، اشترنامه، مظهر العجائب، الديوان: يجعلونه أعلى مرتبة من المثنويات من ناحية صياغته الشعرية ومعانية المبتكرة.
وفاته
وتوفی هذا الشاعر الایراني خلال الغزو المغولي للعالم الاسلامي بدایة القرن السابع الهجري في نیسابور ویقال أنه قتل علی یدهم، قام الشیخ بهاء الدین في كتابه الشهیر «الكشكول» بعرض تفاصیل عن هذا الحادث.
ومازالت مقبرة الشیخ عطار بالقرب من نیشابور قائمة أعاد بناءها وصیانتها الوزیر حسین بایقرا فی عهد الأمیر «علی شیر نوایي» بعد أن كان قد هُدِمَت في العهد التیموري.
انتهی**3280
تعليقك