وتشير إقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة وتعيين وإرسال سفراء البلدين بعد وقت قصير من اتفاق بكين الى الإرادة الجادة لدى البلدين لطي صفحات الماضي والدخول في فصل جديد من العلاقات الثنائية.
وبما ان طبيعة العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الايرانية والمملكة العربية السعودية كانت دائما عاملا حاسما في تشكيل الأحداث السياسية والأمنية لمنطقة غرب آسيا،فقد ظهرت اثارها جلية منذ الأسابيع الأولى للتحول الجديد في العلاقات على حالات أخرى في المنطقة، بما في ذلك سوريا واليمن والبحرين، ومازال هذا التأثير مستمرا حتى يومنا هذا.
كما ان مواقف البلدين متقاربة بشأن حرب غزة والإبادة الجماعية للفلسطينيين التي يرتكبها الكيان الصهيوني والعدوان على لبنان، مما ادى هذا الامر لعقد اجتماعات منظمة التعاون الإسلامي على مستوى وزراء الخارجية ورؤساء الدول، ومما لا شك فيه ان أجواء التعاون بين إيران والسعودية تلعب دورا لا يمكن إنكاره في تعزيز مكانة منظمة التعاون الإسلامي وتضامن الدول الإسلامية وتأثير المنظمة على المستوى الدولي.
وكان موقف المملكة العربية السعودية واضحا تجاه احداث المنطقة في الكلمة الرئيسية والتصريحات التي أدلى بها ولي عهد المملكة محمد بن سلمان في اجتماع منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية الأسبوع الماضي في الرياض، والتي تضمنت إدانة تصرفات الكيان الصهيوني في انتهاك سيادة إيران ولبنان وطلب تجنب المساس بخصوصية ايران.
وفي هذا السياق ايضا،وبعد هذه التصريحات غير المسبوقة، شهدنا أيضا حدثا آخر غير مسبوق الأسبوع الماضي؛ بحيث التقى رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة السعودية الفريق أول الركن فیاض بن حامد الرویلي نظيره الإيراني اللواء باقري وقد بحث الجانبان خلال لقائهما العلاقات الثنائية والعلاقات الدفاعية.
وبالنسبة للكثير من المراقبين الذين شككوا في جدية ارادة البلدين في تجاوز المنافسات والخلافات التقليدية، فقد شكل إبرام عدة اتفاقيات ثنائية بين البلدين مفاجأة بالنسبة لهم ،ومنها الاتفاق بين البلدين على إجراء مناورات مشتركة في البحر مفاجأة، وايضا التوافق على تعزيز التعاون على مستوى أمن الشحن في الخليج الفارسي وبحر عمان والبحر الأحمر.
وهكذا تظهر الامور ان ما عجزت القوى العظمى عن فعله بوجودها على مدى قرون وبتكلفة كبيرة لدول المنطقة، يمكن تحقيقه بالتعاون والاتفاق بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية وبتكلفة أقل بكثير وبيقين أكبر.
ونرى ان المستجدات في المنطقة تتسارع فمن ناحية تصريحات لافتة لولي عهد المملكة العربية السعودية في إدانة تصرفات الكيان الصهيوني ضد ايران وزيارة رئيس أركان القوات المسلحة لهذا البلد إلى طهران في ظل الوضع الحالي للمنطقة حيث يتواصل الانتهاك الإسرائيلي لغزة ولبنان.
واما من ناحية اخرى، فإن العالم اجمع يراقب سياسات الادارة الامريكية المقلبة ،مع إعادة انتخاب دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة والتي تحتوي على رسائل مهمة ،فيما يتعلق بالتطورات في منطقة غرب آسيا.
ومن الواضح جدا أن قادة السعودية ودول أخرى في المنطقة يتوقعون أن يتبنى دونالد ترامب أسلوبا وسياسة مختلفة مقارنة بالجولة الأولى من رئاسته، الأمر الذي أدى الى خلاف غير مثمر بين دول المنطقة. وربما بسبب هذه التوقعات في المنطقة والأوضاع الجديدة، يتحدث ترامب هذه المرة بشعارات مختلفة حول قضايا غرب آسيا.
خطوات ضرورية لتحقيق الاستقرار مع استئناف العلاقات الثنائية
وعلى ضوء هذه التغيرات،فان الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية تحتاجان الى اتخاذ العديد من الخطوات الضرورية لتحقيق الاستقرار ومنها كالاتي:
1- يجب ان يكون هناك تنوع في العلاقات الايرانية-السعودية لان العلاقات السياسية وحدها لا تكفي. وبالإضافة الى الاتصالات والتعاون السياسي والأمني، يتعين على البلدين توفير آليات التعاون في المجالات الاقتصادية بما في ذلك الطاقة والتجارة والنقل والثقافة والإعلام والتعليم والسياحة.
2-- الإسراع في تشكيل وعقد اجتماعات اللجنة الاقتصادية المشتركة بمشاركة القطاعات الاقتصادية والتجارية الرئيسية في البلدين.
3- نظرا لفرص الاستثمار الكبيرة في قطاع الطاقة الإيراني والحاجة الى الاستثمار الأجنبي،فإن المشاركة السعودية في مشاريع النفط والغاز والطاقة المتجددة في إيران، بالإضافة الى المكاسب الاقتصادية المشتركة، يمكن أن تساعد في أمن إنتاج الطاقة وتصديرها والتنمية المستدامة للمنطقة.
4-لا ينبغي ان تقتصر العلاقات الثقافية بين البلدين على مراسم الحج فقط، بل يجب استئناف الرحلات الجوية السياحية المباشرة بين المدن الكبرى في إيران والمملكة العربية السعودية وتسهيل دخول المواطنين ورجال الأعمال من البلدين ، مما يؤدي الى مزيد من التواصل بين شعبي البلدين.
5- عدم تأجيج الخلافات الدينية واهدار الطاقة وقدرات ابناء المنطقة ، وهذا ما شهدناه في السنوات الأخيرة،حيث أظهر البلدان أكثر من الماضي أنهما غير مهتمين بتأجيج هذه الامور.وهنا نلاحظ ان الإجراءات الجريئة التي اتخذتها حكومة بزشكيان للوحدة الوطنية، بما في ذلك الاستعانة بنخب وخبراء من اهل السُنّة في الحكومة والمحافظات، وعلى الرغم أنها استندت الى احتياجات ومطالب وطنية داخلية، إلا أنها في الوقت نفسه أثرت هذه الإجراءات على سلام الأجواء بين الدول الإسلامية والتقارب بين المسلمين.وبالتالي فان إنهاء الصراع الديني يعتمد على تضامن إيران والسعودية على المستويات السياسية والثقافية والدينية معا.
6- اعتقد انه قد حان الوقت لتشهد طهران والرياض حضور القادة السياسيين في البلدين على شكل لقاءات ثنائية حصرية، لانه ومنذ استئناف علاقاتهما لم يجتمع رئيسا البلدين إلا على هامش المناسبات الدولية والمتعددة الأطراف .ومما لا شك فيه أن هذا الحدث سيكون من أهم الأحداث السياسية في المنطقة والعالم ،وسيكون من الأفضل لو أقيم عاجلا وتظهر آثاره بشكل أسرع في العلاقات بين البلدين و دول المنطقة.
المصدر: صحيفة إيران
تعليقك