وقال كدخدائي: تنبع الشرعية من مبادئ كالعدالة واحترام كرامة الإنسان والالتزام بالقواعد القانونية، وأي عمل أو فكر يتعارض معها هو باطل من الأساس ولن يقبل بأي شكل من الأشكال في إطار معايير القانون الدولي والضمير العام للمجتمع الدولي.ومن هذا المنطلق،يُعد الارهاب جرحا غائرا في جسد الحضارة الإنسانية، وتهديدا لكافة مقاصد ومبادئ الأمم المتحدة،التي بطبيعة الحال محكوم عليها بالاضمحلال والدمار.
فمنذ بداية القرن العشرين، أعلن قادة الحركة الصهيونية بوضوح وبصراحة مطلقة أن الطريقة الوحيدة لإقامة وتعزيز سلطتهم في الأراضي الفلسطينية هي استخدام العنف والإرهاب لتوفير الأسس اللازمة للسيطرة على كامل الأرض الفلسطينية.كما انهم يعتبرون العنف واستخدام الإرهاب ضروريين لتحقيق أهدافهم.
وبناء على ذلك، قامت الحركة الصهيونية منذ تأسيسها وحتى الان، بتنفيذ الأعمال الإرهابية، بما في ذلك قتل الأبرياء،التفجيرات،الخطف،تدمير الممتلكات،ومحاولات التطهير العرقي وطرد الفلسطينيين وإزالة أية آراء وأفكار مناهضة للصهيونية.
ومن هنا ، نرى وبكل وضوح أن جذور الإرهاب تكمن في قلب المخطط الصهيوني، الذي يعتمد على العنف والقتل وتدمير الإنسان،وقد تم إضفاء الطابع المؤسسي على هذا الامر بطريقة منهجية، ليس فقط في إنشاء نظام الفصل العنصري الصهيوني، ولكن أيضا في سياساته الحالية المتبعة في العالم.
ولا ينسى العالم أن العنف اشتد في السنوات التي سبقت عام 1948، وانتهى بمجازر مثل مجزرة دير ياسين التي نفذتها عصابات الأرغون وشتيرن الصهيونية بدعم من البالماخ والهاغاناه في 9 نيسان/ابريل 1948، وراح ضحيتها نحو 254 شهيدا اكثرهم من النساء والأطفال الفلسطينيين،وبثت الرعب والذعر في القرى والمدن الأخرى مما ادى ايضا الى تهجير الفلسطينيين قسرا.
وبعد عام 1948، واصلت العصابات الصهيونية ارهابها مستخدمة شتى انواع الإرهاب وادواته لقمع المحتجين الفلسطينيين وتعزيز قوتها وسيطرتها على الاراضي الفلسطينية والتي تعتبر سياساتها العدوانية في التعامل مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة وغيرها من المناطق المحتلة، مثل مجزرة قرية قبية غربي رام الله عام 1953، أمثلة على نمط عدوان هذا الكيان في الوقت المعاصر.
وحتى جريمة اغتيال الكونت فولك برنادوت التي كان شنيعة لدرجة أنها أثارت غضب العالم. ويذكر بان برنادوت هو دبلوماسي سويدي رفيع المستوى وممثل الأمم المتحدة في دور وسيط السلام بين العرب والصهاينة آنذاك،وقد اغتيل من قبل الكيان الصهيوني على الرغم من الحصانة والدعم الدولي الذي كان يتمتع به برنادوت، وذلك بسبب طروحات الكونت برنادوت من اجل السلام والتي اعتبرها الكيان الصهيوني أنها تهدد وجوده.
وعلى مدى هذه السنوات،وبهدف خلق مجتمع صيهوني ،قام الكيان الصهيوني بخلق الرعب وتغيير التركيبة السكانية في فلسطين و تنفيذ عمليات تدمير للمنازل وطرد الفلسطينيين وتهجيرهم قسرا من قراهم، مثل تدمير قرية أم الحيران التي تقع في النقب جنوب جبل الخليل في فلسطين المحتلة، الى جانب الحصار الاقتصادي والعسكري المفروض على غزة،الذي استخدمته الكيان كشكل من أشكال العقاب الجماعي والإرهاب ضد السكان المدنيين، مما تسبب في أزمات إنسانية واسعة النطاق.
ضِف على ذلك، فان الأدلة تشير الى أن عصابات الهاغاناه الصهيونية قامت بتلويث جميع الممرات المائية المؤدية إلى مناطق غزة ببكتيريا التيفوئيد والدوسنتاريا بهدف إيذاء سكان غزة وتعطيل السكان الفلسطينيين الذين يعيشون في المنطقة عن حياتهم اليومية.
لذا فإن ارتباط الكيان الصهيوني الوثيق بالإرهاب خلق أجواء مليئة بعدم الأمان وعدم الاستقرار لدى المجتمع الدولي، الأمر الذي جعل وجود هذا الكيان واستمراريته مرهونا باستخدام كافة الأساليب والأدوات الإرهابية ضد الأطراف المقابلة له.وبالتالي، فان عواقب إضفاء الطابع المؤسسي على الإرهاب في هذا الكيان تتجاوز عدم الاستقرار الإقليمي والعالمي، مما قد يعرض أسس النظام القانوني العالمي للخطر.
إن فشل المجتمع الدولي في التعامل مع الطبيعة الإرهابية للكيان الصهيوني جعل هذا الكيان أكثر جرأة في ارتكاب جرائم إرهابية واسعة النطاق في أي جزء من العالم.ومن الأمثلة الواضحة على هذه الممارسة التهديدية، الاغتيالات التي استهدفت العلماء النوويين في الجمهورية الإسلامية الايرانية والعسكريين المستشارين والأماكن الدبلوماسية وممثلي إيران، فضلا عن تخريب المنشآت النووية السلمية الايرانية.
وان الاعتراف الوقح الأخير لوزير حرب الكيان الصهيوني بتنفيذ عملية اغتيال الشهيد هنية، أثناء تواجده في أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس، يظهر بوضوح المسؤولية الدولية لهذا الكيان في انتهاك سيادة البلاد وسلامة أراضيها، وهو ما أكدته بوضوح المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة ، الذي يعد جزءا من والتزامات المؤسسات الدولية بالحفاظ على النظام أمر دولي وحماية حقوق الإنسان أمر ضروري، ويدعو ايضا إلى تحرك سريع وفعال من قبل المؤسسات الدولية لإدانته.
وفي الواقع، إن استخدام الإرهاب بغرض القتل المتعمد للأشخاص الذين لهم الحق في الحياة باعتباره من أهم حقوق الإنسان الأساسية وفقا للمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، يُعد من أخطر انتهاكات القانون الدولي، والذي يضرب بجذوره في المبادئ التعاقدية والعرفية الأساسية مثل احترام سيادة الدولة والالتزام بالحفاظ على السلام والأمن الدوليين، ويقوض الشرعية التي تقوم عليها سيادة الدولة.
وهذا الصمت والتقاعس من قبل المجتمع الدولي، وعلى رأسه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة،سيجعل الكيان الصهيوني أكثر إصرارا على ارتكاب جرائمه الفظيعة.
وعلى الرغم من ان مهمة مجلس الأمن هي الحفاظ على السلم والأمن العالميين وفقا للمادة 24 من ميثاق الأمم المتحدة، إلا أن إهمال الكيان الصهيوني لمسؤوليته الدولية تجاه هذا العمل غير القانوني، والذي وفقا لمشروع خطة لجنة القانون الدولي، فيما يتعلق بالمسؤولية الدولية للحكومات والتي تم تحديد جميع عناصر تحقيقها،ينشئ إجراء خطيرا في النظام القانوني الدولي من شأنه أن يهز ثقة الحكومات في ركائز المجتمع الدولي ويضر بشكل خطير بمصداقية المؤسسات الدولية في الوفاء بواجباتها الهامة، بما في ذلك الحفاظ على السلام والأمن العالميين.
ولو ان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أقر بحزم بالمسؤولية الدولية للادارة الامريكية في اغتيالها الشهيد سليماني وأدانها، فانه مما لاشك فيه ان هذه العملية التدميرية الصهيونية التي تمارس اليوم بالدوس على القوانين الدولية وتأجيج لهيب نار جرائمه، ما كانت لتكون بهذه الشدة والاستمرارية.
إن قدرة النظام الدولي على التعامل مع الإرهاب والإغتيال لن تعتمد إلا على التنفيذ الحازم لمبادئ القانون الدولي، وخاصة ضمان المساءلة، ومنع التهرب من المسؤولية والإفلات من العقاب على الأعمال التي تنتهك هذه المبادئ.
عباس علي كدخدائي
محامي وأستاذ القانون بجامعة طهران
انتهى**ر.م
تعليقك