طهران/29 ايار/مايو/ارنا-بعد استشهاد رئيس الجمهورية الايراني اية الله رئيسي ووزير خارجيته امير عبد اللهيان بدأت تساؤلات عديدة تطرح عن السياسات الايرانية في المرحلة المقبلة وخاصة الخارجية منها ، وما اذا كانت هذه السياسات ستستمر على ما كانت عليه في عهد الرئيس الشهيد او انها ربما تشهد تغييرات في خطوطها العريضة.

الجمهورية الاسلامية الايرانية كالبنيان المرصوص

الكل يعلم ان الجمهورية الاسلامية الايرانية ومنذ تأسيسها عصفت بها العديد من الازمات والاحداث الصعبة على مستويات عديدة ،والكل يدرك ايضا ان هذه الجهمورية تخطت كل هذه الصعاب والتحدیات بنجاح واستقرار وبأقل خسائر ممكنة وذلك لأنها دولة المؤسسات والقانون المحكم الذي يحيط كل الترتيبات والتفاصيل بعناية تامة وادارة رشيدة.

هذا من جهة، واما من جهة اخرى لا يمكننا ان نغفل عن حكمة وبُعد نظر قيادة الثورة الاسلامية ودورها في التغلب على المشاكل وتعزيز الوحدة الوطنية وايضا الدور الاساسي للشعب الايراني اليقظ والمقدام الذي يتجلى في إزالة كافة العقبات السياسية وإعلاء المصلحة الوطنية اثناء المحن وأوقات الشدة.

لذا ومن قراءتنا للساحة الايرانية وتاريخها في مواجهة الشدائد نستلخص بأن الجمهورية الاسلامية الايرانية كالبنيان المرصوص قائمة على مبادىء متينة وقوانين محكمة وتوجيهات قيادة رشيدة ولُحمة وطنية ولا تتغير سیاساتها ووجهاتها بتغير الرؤساء والحكومات والشخصيات.

وعلى الرغم من ان غياب الشهيدين اية الله رئيسي و أمير عبد اللهيان يأتي في ظروف حساسة مهمة إقليميا ودوليا، وخاصة في ظل التطورات الإقليمية جراء الحرب على غزة، وعلى الرغم من انه يصعب ملء دورهما وتأثيرهما المهمين في صناعة القرارات المرتبطة بالسياسة الخارجية الإيرانية،  الا ان المؤشرات تدل على ان عملية اتخاذ القرار في السياسة الخارجية الإيرانية مستمرة بلا تأثر إذ إن هياكلها  قائمة وثابتة.

وبالطبع تبقى المرحلة المقبلة شديدة الصعوبة ،لأن استشهاد اية الله رئيسي في منتصف فترة ولايته الرئاسية ادى الى بدء عملية إجراء انتخابات رئاسية سابقة لأوانها مع سعي البلاد لاختيار رئيس جديد خلفا للرئيس الشهيد  في 28 حزيران/ يونيو من الشهر المقبل.

ويأتي ذلك فيما يغمر القلق العديد من الإيرانيين بشأن مستقبل البلاد ، لكن تظهر التدابير الانتقالية والقرارات المتوالية التي وضعت ضوابط واضحة ومحسومة للمرحلة المقبلة  ان احتمال حدوث اهتزازات او اي حسابات قد تعكر او تربك صفو النظام السياسي تبقی بعيدة المنال في الفترة القادمة.

مبادىء السياسة الخارجية

السیاسة الخارجیة للجمهوریة الاسلامیة الايرانية تقوم علی رفض أی شکل من أشکال الهیمنة و الحفاظ علی استقلال البلاد من جمیع النواحي ووحدة اراضیها و الدفاع من حقوق جمیع المسلمین، و عدم الخضوع للدول العظمی المهیمنة علی العالم و الحفاظ علی علاقات سليمة متبادلة مع جمیع دول عدم الانحیازالمسالمة.

الجمهوریة الاسلامیة الإیرانية تعتبر سعادة الإنسان فی جمیع المجتمعات البشرية مَثَلها الأعلی و تری فی تحقیق الاستقلال، الحریة، والسیادة، العدالة و الحقیقة من حق جمیع شعوب العالم. و لهذا فان الجمهوریة الاسلامیة تتعهّد بعدم التدخّل في شوون البلدان الاخری و لکنّها تلتزم باسناد کافّة النضالات الحقة للمستضعفین امام مستکبری العالم في ايّ نقطة من نقاط المعمورة.

السياسة الايرانية الخارجية الحالية مستمرة

وبالنسبة لمن سيكون الرئيس الايراني الجديد، لن ندخل في لعبة الاسماء والشخصيات التي تمثل التيارات السياسية في المجمتع الايراني لأنها جزئيات لن تؤثر جذريا على مبادىء السياسة الايرانية الخارجية والتي يستبعد ان تشهد تغييرا ملحوظا في المرحلة المقبلة سواء فازت شخصية محافظة او شخصية اصلاحية بالرئاسة المقبلة.

 فعلى صعيد التفاوض مع الغرب، فإن سياسة حكومة الشهيد اية الله رئيسي لم تنقلب على مبدأ المسار التفاوضي مع الغرب في إطار المساعي لإحياء الاتفاق النووي، فخاضت جولتين من المفاوضات مع الولايات المتحدة استكمالا لجولات سابقة تمت في عهد روحاني، لكن بتوجه مختلف من خلال عدم ربط وضع البلاد بمصير هذه المفاوضات وإدارة وجهة السياسة الخارجية الإيرانية نحو الشرق وتطوير العلاقات مع الجيران وروسيا والصين.

وعليه فإنه من المتوقع ان يواصل الرئيس الإيراني المقبل سياسات الشهيد اية الله رئيسي في ظل الاستدارة الحالية نحو الشرق وسياسة حسن الجوار وتطوير العلاقات مع الجيران والتي تعد من نجاحات حكومة الشهید اية الله رئيسي والتي ادت الى تطورات إيجابية على طريق العلاقات مع الدول العربية وخاصة السعودية والامارات العربية المتحدة.

واما موضوع دعم المقاومة فهو قاعدة ثابتة لدى إيران وجزء من هويتها وطبيعتها وجزء أصيل من دينها ولا يتبدل مع تبدل المسؤولين .کما ان تحسن علاقات إيران مع دول المنطقة وتبنيها القضية الفلسطينية عززت الجبهة المعادية للكيان الصهيوني وزادت من مصداقيتها وشعبيتها داخليا وخارجيا.

الشعب الایراني مصدر السلطات

ينص الدستور الإيراني على ان السلطة التنفيذية (رئاسة الجهمورية والحكومة) والسلطة التشريعية (مجلس الشورى الاسلامي ) تنتخبان بالاقتراع الشعبي السري والمباشر .

وفي حالة السلطة التنفيذية، ووفقا للدستور الإيراني يتم اختيار الرئيس من بين الشخصيات الحائزة علی المؤهلات التالية: يكون منحدرا من اصل إيراني،ايراني الجنسية، ذا ادارة وحنكة ناجعة ، حسن السلوك ، امينا و معتقدا بمبادىء وقیم الجمهورية الإسلامية الإيرانية والدين الرسمي للدولة.

یعتبر رئيس الجمهورية اعلى مسؤول رسمي في البلاد بعد مقام قائد الثورة الاسلامیة، ويتولی مسؤولية  تنفيذ الدستور ورئاسة السلطة التنفيذية (رئاسة الجهمورية والحكومة) وهو یشرف علی أعمال الوزراء ويتخذ جميع التدابير اللازمة لتنسيق قرارات الحكومة ، كما انه يحدد برنامج الحكومة وسياساتها وتنفّيذ القوانين بالتعاون مع الوزراء.

يتم انتخاب الرئيس في انتخابات وطنية لفترة مدتها اربع سنوات عن طريق الاقتراع العام بحیث يحق لأي مواطن إيراني بلغ أكثر من 18 عاما التصويت فيها ويقتصر الانتخاب على المرشحين الذين وافق عليهم مجلس صيانة الدستور الذي يهدف الى الحفاظ على قيم الجمهورية الإسلامية.

ینتخب رئيس الجمهوریة بالاغلبية المطلقة للاصوات التي ادلى بها الناخبون. ولكن اذا لم يحصل أي من المرشحين بالحصول على هذه الاغلبية في الدور الاول ، تعاد الانتخابات ثانية في يوم الجمعة من الاسبوع التالي.

 في الجولة الثانية یشترك المرشحين الذين حصلا على اكبر عدد من الاصوات في الجولة الاولى التي شاركا فيها. ولكن اذا انسحب بعض المرشحين من الذین حصلوا على أكبر الاصوات في الجولة الاولى سیکون الاختيار النهائي بين المرشحين اللذين احرزا اكبر عدد من الاصوات من بین المرشحين الباقين.

صوت الشعب هو الميزان

ولأن الإمام الخميني (رض) كان يؤمن بالشعب ويثق به وبرأيه اطلق مقولته الخالدة "صوت الشعب هو الميزان " بُعيد انتصار الثورة الاسلامية في ايران ، فكانت حقا الميزان الذي يقاس به شرعية كل شيء ، بدءا من منصب ولاية الفقيه وانتهاء بالمجالس البلدية.

فلاصوت في ظل نظام الجمهورية الاسلامية يعلو في ايران على صوت الشعب ، فهو صاحب الكلمة الفصل التي لاتقبل التأويل والتشكيك وهذا يبدو جليا في كل انتخابات يخوضها الشعب الايراني عندما يدلي بأصواته في صناديق الاقتراع بمشاركة حماسية وواسعة.

وفي هذه المرحلة ،مهما تكن نتائج الانتخابات الرئاسية الحالية فان الفائز الاول والاخير فيها هو الشعب الايراني ، الذي نجح  دوما وبذكائه الفطري في تحصين ايران امام كل المخاطر التي تتهددها و كل المؤمرات التي تحاك ضدها تحت ذرائع شتى وفي مقدمتها تصدير الديمقراطية وحقوق الانسان.

وكما خرج من عدة ازمات سابقة، فإن الشعب الايراني العظيم سيخرج من هذه الازمة مرفوع الرأس وسيثبت مرة أخرى وقوفه في وجه الأعداء دعما لمواقفه الثورية وسيتخطى هذه المرحلة ببركة ولاية الفقيه وحكمة قائد الثورة الاسلامية، لتبقى شمس الثورة الإسلامية الساطعة مشرقة بنورها وليبقى علم الجمهورية الإسلامية الإيرانية متألقا شامخا في انحاء العالم.

انتهى**ر.م