وقال قائد الثورة الإسلاميّة إنّ إحياء الأمل في القلوب أهمّ هدفٍ لأصحاب الجماهير في المجالات الإعلاميّة، وشدّد على وجوب تمزيق ستار توهّم اقتدار العدو. كما أكّد سماحته على دعم المقاومة في وجه الكيان الصهيوني حيثما كانت، وقال إنّ أمريكا أخطأت في حساباتها بشأن إيران على مرّ العقود الماضية.
وفيما يلي النص الكامل لكلمة قائد الثورة الإسلامية خلال لقاء جمع من أهالي مدينة قم بمناسبة ذكرى "19 دي" في حسينية الإمام الخميني (ره) :
بسم الله الرّحمن الرّحيم،
والحمد لله ربّ العالمين والصّلاةُ والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، [ولا] سيّما بقيّة الله في الأرضين.
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء الذين جئتم من قم وزيّنتم أجواء حسينيتنا بأنفاسكم الدافئة وقلوبكم النوارنية وبذكركم لشهدائكم الأعزاء وجعلتموها نيّرة عطرة، أرحب بكم جميعًا. بالإضافة إلى مناسبة "19 دي 1356" (9/1/1978) - هي مناسبة مهمة سأتحدث عنها طبعا. إن لقاءنا مع أهالي قم المؤمنين والشجعان والناشطين يعدّ أمرًا ذا قيمة كبيرة بالنسبة إلينا. نسأل الله المتعالي أن يحفظ هؤلاء الناس الأعزاء دائمًا تحت ظلّ تفضلاته وألطافه وأن يوفقهم.
إحياء ذكرى حادثة "19 دي 1356" أمر لازم وضروري من جهتين: أولا: يعد يوم (19 دي 1356) أحد قمم تاريخ بلادنا. أي إن كلّ مَن ينظر إلى تاريخ بلادنا في المستقبل، سيجد أن هذا اليوم الذي اجتمعم في مناسبته هنا هو من أبرز النقاط في هذا التاريخ، لأنه انطلقت فيه حركة عظيمة في البلاد وآلت إلى ثورة عظيمة هزّت العالم وغيّرت خريطته السياسية. لذلك هذا اليوم قمة [تاريخية].
السبب الثاني في ضرورة إحياء ذكرى «19 دي» هو أنه علينا أن نتعلّم من هذا اليوم. إن هذه الأحداث و«أيام الله» هذه هي لأخذ الدروس؛ لكي ننهل الدروس والعبر أيضًا. لذلك يُعدّ اجتماعكم السنوي هذا - سواء هنا أو في قم - حركة ضرورية وذات أهمية ومؤثرة، إن شاء الله. في هذا الجزء الثاني، أي الدروس والعبر من حادثة «19 دي»، لقد سجلت بعض النقاط التي أرغب في عرضها عليكم.
الدرس الأول، كيف هي إيران التي يرغب فيها النظام الأمريكي والاستكبار العالمي. اليوم كما ترون، إن كلّ شخص من مكان ما سواء من الداخل أو الخارج يقول شيئًا، ولكن يجب أن نعلم كيف هي إيران التي ترغب فيها أمريكا وتتمناها وكيف تريد لها أن تكون؛ وهذا ما يمكن فهمه عبر المسائل المتعلقة بقضية قم.
قبل بضعة أيام من «19 دي»، كان الرئيس الأمريكي آنذاك "جيمي كارتر"، في طهران. في اجتماع رسمي، بدأ يبالغ في مدح محمد رضا شاه وقال إن إيران اليوم، بفضل هذا الرجل، أصبحت جزيرة الاستقرار. أي إن إيران عام 1978 كانت تعدّ في نظر الرئيس الأمريكي إيران المثالية. كيف كانت إيران في عام 1978؟ الآن سأذكر لكم ثلاثة أو أربعة من المؤشرات.
كانت إيران مطيعة تماما لأميركا
من ناحية السياسة الخارجية، كانت إيران مطيعة تمامًا لأمريكا. في ذلك اليوم، كان هناك أكثر من خمسين ألف مستشار عسكري أمريكي في إيران، سواء في الجيش أو خارجه وفي الأجهزة الاستخباراتية وغيرها من الأجهزة التي كانت تتلقى رواتبها من خزينة إيران. حسب التحقيقات، كانت الأموال التي يتقاضاها هؤلاء المستشارون أكثر من ميزانية وزارة التعليم في ذلك اليوم؛ وهذا نموذج فقط. كانت مَهمة السياسة الخارجية للنظام المرغوب لأمريكا هي أن يكون مطيعًا تمامًا لها ويؤمّن مصالح أمريكا ومصالح الكيان الصهيوني. طبعًا، شاء الله وحدثت الثورة، وإلّا لو لم تحدث الثورة، لكانت السهول الخصبة كلها في البلاد مثل سهل قزوين - الذي كان قد وُضع في تصرّف الصهاينة - قد وُضعت في تصرّفهم في بضع سنوات. أُعطيَ سهل قزوين للصهاينة. كانت هذه مَهمة السياسة الخارجية للنظام. هذا بشأن السياسة الخارجية.
كانت سياسة النظام الداخلية في إيران تعتمد على القمع المطلق
أما السياسة الداخلية، فكانت سياسة النظام الداخلية تعتمد على القمع المطلق لأي حركة داخل البلاد؛ أي الديكتاتورية الشديدة. الجماعات كلها التي كانت تدعي النضال ضد النظام آنذاك النظام الملكي كانت قد عزلت جراء ضغط النظام وقمعه، بدءا من الجبهة الوطنية التي كانت مجموعة من السياسيين والناشطين في السياسية مرورًا بحركة حرية إيران وصولًا إلى "فدائيي خلق" الذين كانوا شيوعيين وكانوا مسلحين ويتواجدون في الغابات، هؤلاء جميعهم قمعوا. أود أن أقول لكم إنه باستثناء الحركة التابعة للإمام [الخميني الحركة الدينية والنهضة الدينية اللتان كانتا نشطتين في أنحاء البلاد كافة منذ عام 1353 (1974) و1354 (1975) وما بعدهما حتى عام 1356 (1987) وإلى انتصار الثورة لم يكن هناك أي منظمة أو تنظيم على مستوى البلاد قادر على أن يعبّر عن رأيه أو يعترض؛ فقد قمعوا الجميع. هذه كانت السياسة الداخلية للنظام.
أما من ناحية اقتصاد البلاد، كان عدد سكان البلاد يومذاك حوالى 35 مليون نسمة. كانوا يبيعون نحو ستة ملايين برميل من النفط يوميا التفتوا للمبالغ! اليوم، عندما نبيع مليونا ونصف مليون برميل من النفط، تفخر حكوماتنا بذلك. في ذلك اليوم، كانوا يبيعون حوالى ستة ملايين برميل من النفط ويصدرونها، وكان المال يدخل إلى البلاد ليذهب مباشرة إلى جيوب طبقة خاصة. كان الفارق الطبَقي في البلاد يظهر بصورة مرعبة. كان هذا المعامل الجيني الذي يعرفه أهل الاقتصاد بوصفه أداة لقياس الفجوة الطبقية، في عهدهم 51 بالمائة، أي إنه كان عند أعلى رقم! هذا يعكس الفجوة الطبقية بين الناس. كانت الطبقات الفقيرة مهملة؛ لم تُصرف أموال البلاد على البلد نفسه ولا على الشعب ولا على التنمية، ولا الطرق بالسليمة. كان مستوى حياة الناس منخفضًا. هذا بشأن الاقتصاد.
من ناحية العلم والتكنولوجيا، كانت البلاد من أكثر الدول تأخرا في العلم والتكنولوجيا؛ كانت في ذيل قائمة الدول المتخلفة. هكذا كان حال العلم والتكنولوجيا لدينا.
من ناحية الثقافة، كان هناك انتشار واسع للفساد والابتذال، وابتعاد متزايد عن القيم الأخلاقية والدينية والمذهبية، وترويج الثقافة الغربية، وترويج قلة الحياء على نحو متزايد يوما بعد يوم في البلاد، حتى أكثر من بعض الدول الأوروبية، فقد كان هناك تقييم في الصحف من بعض الأشخاص المحسوبين عليهم في ذلك اليوم يفيد بأن وضع النساء في البلاد من حيث اللباس والحجاب والحياء وما إلى ذلك، أسوأ مما هو عليه في الدول الأوروبية! هذا عن حال الثقافة.
إذن، كانت إيران على هذا النحو؛ ذاك هو وضع سياستها الداخلية والخارجية واقتصادها وعلمها وثقافتها. كان الرئيس الأمريكي يرغب في إيران هذه، ويمدح محمد رضا شاه ويمجّده من أجل بناء إيران مثل هذه، حتى أن المقرّبين منه كانوا يقولون إن خطابه كان مبالغة، ولكنه فعل تلك المبالغة. هؤلاء كانوا يحبون هذا الوضع لإيران وكانوا يتمنونه؛ واليوم أيضًا، يتمنون هذا الوضع للبلاد. لقد حمل كارتر معه هذا التمني إلى قبره، وهؤلاء أيضًا سيحملونه إلى قبورهم.
الخطأ في الحسابات لدى أجهزة أمريكا
الدرس الثاني من حادثة "19 من دي" الخطأ في الحسابات لدى أجهزة أمريكا. على الذين يعلقون آمالهم بظواهر أمريكا ويغفلون عن العظمة المعنوية لدى شعبهم وينسون الله، ويرزون أمريكا في نظرهم، عليهم أن يلتفتوا إلى خطأ أمريكا في الحسابات. في يوم 10 دي عام 1356، جاء كارتر إلى هنا وألقى خطابًا ومدحَ وأعطى تعليماته، وقال إن إيران هي جزيرة الاستقرار وما إلى ذلك، وفي يوم "19 دي"، أي بعد تسعة أيام فقط من ذلك اليوم، وقعت حادثة قم؛ أي لقد أخطؤوا في الحسابات.
كانوا يفهمون الأمور بهذه الطريقة ويحسبونها هلى نحو خطأ. لقد انتفض أهالي قم نيابة عن شعب إيران؛ جاء الناس من قم بدافع ودخلوا الميدان، وهذا الدافع كان موجودا في أنحاء البلاد كلها، وهو ما ظهر بعد ذلك وشاهده الجميع. في ذلك اليوم، كان القميّون هم من تمكنوا من أن يكونوا في طليعة هذه الحركة ويظهروها.
و انبثقت الثورة الإسلامية من قلب أهم حصون الاستكبار؛ هذا هو خطأ الحسابات لأمريكا. لم يتوقعوا: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} (الحشر، 2). مثل حركة النبي موسى (ع)؛ بدأت الحركة الموسوية من قلب بيت فرعون وقصره، وانتهت إلى تدمير قصر فرعون وأتباعه. هنا كانت إيران في عهد الشاه بمنزلة الحِصن المنيع للمصالح الأمريكية، ومن قلب هذا الحصن خرجت الثورة الإسلاميّة وتفجّرت، ولم يدرك الأمريكيّون ذلك، وقد خُدعوا وبقوا في غفوتهم وغفلوا. هذا ما يعني خطأ أمريكا في الحسابات. منذ ذلك الحين وحتى اليوم وعلى مرّ هذه العقود، ارتكب الأمريكيّون الأخطاء في غالبية الأحيان بشأن قضايا إيران، لقد أخطأوا. المعنيّون بهذا الكلام هم بصورة أكبر أولئك المرعوبون أمام السياسات الأمريكيّة: فليكونوا غير مرعوبين.
الأمريكيّون في هذه الأعوام الأكثر من الأربعين أخطأوا في غالبيّة السياسات التي مارسوها بحق الجمهورية الإسلامية. فرضوا الحظر على سبيل المثال؛ لماذا مارسوا الحظر؟ مارسوا الحظر حتى يخضعوا اقتصاد إيران بطبيعة الحال، ونحن حققنا أعلى مستوى من التقدم في العلم والتكنولوجيا ضمن مدة الحظر هذه، وحققنا أكبر قدر من النفوذ الإقليمي في مدة الحظر هذه، ورأينا أمام أعيننا أكبر عدد من الشباب المستعدّين للعمل في شتّى المجالات في مدة الحظر هذه. تبيّن أنّ حسابات أمريكا خطأ؛ أرادت شلّ إيران، فلم تُشلّ. نعم، طبعًا، الحظر ألحق أضرارًا بالبلاد، ولم يكن هلى نحو لا يلحق معه أي ضرر، بل ألحق الضرر، وإن شاء الله، سيأتي اليوم الذي يحاسب فيه الشعب الإيراني على هذه الأضرار.
الثورة الإسلامية زعزعت حصار الغرب
خلاصة كلامي ضمن إطار هذا الدرس الثاني لحركة أهالي قم، هي أن ذاك الجدار الخرساني لاستكبار الغرب تصدع من المكان الذي كان يعقد عليه أكبر الآمال؛ من إيران. الثورة الإسلامية زعزعت حقا حصار الغرب، وهذا الجدار الخرساني الذي أقيم بالدعايات والأموال والرشاوى وأنواع الجرائم وأقسامها لا يزال طبعا قائما أيضا، ويجب أن يدمر هذا الجدار أحدثت الثورة الإسلامية فيه الصدع الأول.
الدرس الثالث هو أننا حين ننظر إلى أحداث قم، نكتشف أن علينا أن نصون أنفسنا وأفكارنا والرأي العام تجاه دعايات العدو هذا من ضمن دروس حادثة "19 دي" كما أن عقول أهالي قم في ذلك اليوم قد تحصنت، لماذا؟ نشروا المقالات واتهموا الإمام الخميني(ره) وتكلموا عنه بالسّوء؛ ما هو هدفهم؟ هؤلاء الذين كانوا يسيطرون على كل شيء؛ الآلاف من أنصار الإمام الخميني(رض) كانوا تحت التعذيب وفي السجون وفي المنافي، ما الحاجة إلى المقالات إذا؟ لقد توصلوا إلى حقيقة لا تزال قائمة اليوم أيضا، وهم أدركوا أن التغلب على أي شعب لا يمكن تحقيقه بالأدوات الصّلبة فقط، بل هناك حاجة أيضًا إلى الأدوات الناعمة. ما هي تلك الأدوات؟ بثّ الدعايات والتبرير والتبيين.
إن تأكيدي إلى هذا الحد على التبيين. أرادوا أن يبردوا قلوب الناس تجاه الإمام العظيم الشأن. كانت آلاف عدة من أنصار الإمام الخميني(ره) قابعة هنا في السجون وفي المنافي وتحت الضغوط والضرب وكل شيء، ولكن لم يكن هذا كافيًا. كان عليهم أن يفعلوا ما يجعل سيف ذو الفقار الذي كان يلهب القلوب من جانب قبر أمير المؤمنين (ع)، ويطلق هذه الحركة العظيمة. أي اللسان المبارك لإمامنا الجليل. هنا كانوا يتشددون، وكانت تصدر رسالة أو بيان عن الإمام، فكانت القلوب المكتئبة تشعر بالأمل مجددا ويزول التعب عن المرهقين من الناس ويصبح ميدان الكفاح أكثر حماوة. لقد أحبطت نهضة أهالي قم هذا المخطّط.
يا أهالي قم، لو أنّكم لم تقدموا على تلك الحركة في يوم "19 دي" ولو استمرت كتابة المقالات وممارسة الإهانات؛ بداية على نحو ثم بأساليب أكثر تعقيدا، وكان سيسري ذلك من شخص الإمام الخميني(ره) إلى علماء الحوزات، ومن علماء الحوزات إلى أساس الدين، وسيتقدم أهالي قم منعوا هذه الحركة ولم يسمحوا بوقوع هذا الأمر. هكذا هو الحال اليوم أيضا. لقد أدرك الأمريكيون اليوم جيدا أنه لا يمكن بواسطة الأدوات الصلبة دفع الأمور إلى الأمام. انظروا كيف أنهم قتلوا هذا العدد الكبير من الناس في غزة، وجاءت الدبابات والمدافع والقنابل والرشاشات والطائرات المسيرة؛ قتلوا عددا من العناصر، ولكنهم عجزوا عن القضاء على النهضة في لبنان، قتلوا شخصا مثل السيد "حسن نصر الله"، وقتلوا كثيرا من العناصر ولكنهم لم يتمكنوا من القضاء على حزب الله، ولا يستطيعون ذلك ولن يقدروا عليه.
يجب أن يمارسوا الأعمال الناعمة وأن ينشروا الدعايات. يا شعب إيران، هذا مؤشر مهم بالنسبة إلي وإليكم. العمل البرمجي للعدو الصهيوني هو الكذب واختلاق الأكاذيب، وخلق فجوة بين الواقع والتصور لدى الرأي العام. تزدادون قوة، فيروج أنكم تضعفون. هو نفسه يضعف، فيروج بأنه يزداد قوة. تصبحون غير قابلين للتهديد، فيقول: سأقضي عليكم بالتهديد هذه هي الدعاية. ثمة أشخاص يتأثرون بها أيضا.
العمل الأساسي اليوم؛ ألا يسمحوا دعايات العدو بالتأثير على الرأي العام
إن العمل الأساسي، اليوم، والمهم للأجهزة الإعلامية لدينا ولأجهزتنا الثقافية والدعائية ولوزارة الثقافة ولمؤسسة الإذاعة والتلفزيون ولناشطينا في الفضاء المجازي هو أن يمزقوا ستار توهم اقتدار العدو، وألا يسمحوا لدعاياته بالتأثير على الرأي العام. هذا هو العمل الذي فعله أهالي قم في ذلك اليوم، وفي ذلك اليوم سلبوا العدو هذه الأداة من يده وحطموها وفعلوا ما جعله يعجز عن الاستمرار.
في مجال استلهام الدروس من "19 دي"، لأذكر شيئا آخر بوصفه تكملة لهذه القضيّة، وهو أن ماهية الاستكبار لم تتبدل. لا يظنن أحد أن أمريكا اليوم تختلف عن أمريكا في ذاك اليوم، وأن الكيان الصهيوني اليوم يختلف عن الكيان الصهيوني في ذلك اليوم؛ كلا، هم على ما كانوا عليه، ولكن الأساليب والأدوات اختلفت. في ذلك اليوم، كانوا يفعلون هذا الأمر عبر المقالات، وإن أدواتهم ووسائلهم اليوم أصبحت أكثر تنوعا واتساعا وقدرة بألف ضعف، وعلينا نحن أيضا أن نكون أشد يقظة بألف ضعف.
و يجب أن نلتفت وندقق وأن نوفر الأمن والحصانة وألا نصدق كلام العدو. هذا هو مفتاح القضية: ألا نصدق كلام العدو. إذا لاحظتم أنّه يوجد كلام في دعايات العدو يشعر منه أنه يهدف إلى التأثير عليكم، فلترفضوا ذاك الكلام، واعلموا أنه يكذب، اعلموا أنه يكذب!إذا لمستم علامات الخداع في كلامٍ معيّن، فلتهملوه فورا ودون تريث. يحل عيد النوروز، فيبارك رئيس الولايات المتحدة الأمريكية للشعب الإيراني! هل هذا التبريك صادق؟ من الواضح طبعا أن هذه خدعة وكذبة كبيرتان، وهؤلاء مستعدون للقضاء على ملايين الأشخاص من شعب إيران.
لاحظوا ما يحدث في غزة، فمن جهة يقدّمون المال والسلاح للعدو، ومن جهة أخرى يصرحون أحيانا أن كلا، من الحسن ألا تحدث هذه الأعمال. يجب تجنّب تصديق كلام العدوّ. حسنًا، هذا بشأن دروس "19 دي".
إيران قمة استراتيجية في العالم
وتابع: لأتحدث عن موضوعين أو ثلاثة أخرى. أيها الإخوة الأعزاء وأيتها الأخوات العزيزات، الموضوع الأول هو أن التفتوا إيران قمة إستراتيجية في العالم، إن كان من ناحية الإمكانات الطبيعيّة، وكذلك الإمكانات البشرية، وأيضا المكانة الجغرافية والجغرافيا السياسيّة. إنها بلد يتمتّع بالإمكانات في هذه الجوانب كلها. هذا أمر إلهي، وهو من صنع الله. شعبها وقواها البشرية متقدمون على المتوسط العالمي، وإمكاناتها الطبيعية أكثر من المتوسط العالمي، ومكانتها الجغرافية أكثر حساسيّة من الدول حول العالم.
هكذا هو الحال من ناحية الجغرافيا السياسية أيضا، فهي في وسط العالم الإسلامي؛ هي قلب العالم الإسلامي. حسنا، هذا البلد وهذا المصدر الإستراتيجي العظيم، منذ أربعينات القرن الماضي، أي منذ قرابة الثمانين عاما، مصدر الثروة هذا الذي هو إيرانكم، كان في قبضة أمريكا لعشرات الأعوام وكان ملكا لأمريكا وبيدها. جاءت ثورتكم وانتزعت هذا من يد أمريكا. مرارة أمريكا من هذه القضية لا تنسى.
بعض الأشخاص يقولون: يا سيدنا، أنتم لستم مستعدين للتفاوض مع أمريكا، ولا لإقامة علاقات معها، في حين لديكم علاقات مع الدول الأوروبيّة وهي مثل أمريكا، فما الفرق؟ لماذا تتواصلون معهم؟ فكما أن لديهم سفارة [هنا]، فلتكن لهذه سفارة أيضًا، وليكن لكم تواصلكم معهم. كلّا؛ ثمّة فرق. الفرق هو أنّ أمريكا كانت تسيطر على هذا المكان، ولكن انتُزع من قبضتها، وحقدها على هذا البلاد والثورة [الإسلاميّة] يشبه حقد الجمل! هي لا تتخلّى بهذه السهولة. هذا يختلف عن البلد الأوروبي الفلاني.
فقدت أمريكا مع انتصار الثورة الإسلامية فرصة سياسية واقتصادية
نعم، ذاك البلد أوروبي أيضًا ليس صديقًا حقيقيًّا للشعب الإيراني. نحن نعلم هذا تمامًا وندركه، ولكن هذا يختلف عن ذاك بكثير. فقدت أمريكا مع انتصار الثورة الإسلامية ثروة عظيمة وفرصة سياسية واقتصادية هائلةً وقد أنفقت في هذه الأعوام الأربعين وما بعدها كثيرا في محاولة لإخراج إيران مجددا من قبضة الثورة الإسلاميّة، وإعادتها تحت سيطرتها، وعجزت عن ذلك. هذا الحقد [الذي تحمله أمريكا] تجاه الجمهورية الإسلامية يختلف تماما عن حقد البلد الفلاني الآخر. يختلف كثيرا.
هذا هو السبب الذي يجعلنا نميز بين أمريكا وسائر الدول الغربيّة. أمريكا تكبدت هزيمة في إيران، وهي تسعى إلى تعويض هذه الهزيمة. لذا هي تبذل كل جهد تستطيعه في ممارسة العداء. هذا بشأن النقطة الأولى.
حكومة الأمريكية التي هي رأس الاستكبار
النقطة الثانية؛ أحد مطالب الاستكبار في الدول المستكبرة عمومًا، بما في ذلك الحكومة الأمريكية التي هي رأس الاستكبار، من الدول كلها، بما في ذلك مسؤولي الجمهوريّة الإسلاميّة، هي أنّهم عندما يفكّرون في شأن مختلف قضايا البلاد ويخططون ويرسمون الخطط، أن يأخذوا في الحسبان أيضًا مصالح أمريكا وأن يضعوها في الحسبان. هذا هو مطلبهم.
إننا الذين ليس لدينا علاقة مباشرة معهم، ولكن يُوصلون ذلك إلى مسؤولينا بطرق مختلفة. لقد رأينا أمثلة متعدّدة لذلك طوال هذه الأعوام. يأتون ليكونوا وسطاء، حسنًا، في القضيّة الاقتصاديّة الفلانية والقضية الثقافية الفلانية والقضية الفلانية المرتبطة بالسياسة الخارجية، أنتم الذين ترغبون في الإقدام على هذا العمل غيّروه وتصرفوا على هذا النحو حتى تجني أمريكا منفعة معينة. أنا أقول إن هذا تهديد للسيادة الشعبية. لو استجاب المسؤولون في بلادنا في أي مرحلة لهذا التوقع غير المشروع لأمريكا، فإنهم يكونون بذلك قد هددوا السيادة الشعبية للبلاد وجمهوريتها. لماذا؟ لأن الناس صوتوا لنا وسلمونا زمام الأمور حتى نعمل من أجل مصالحهم، لا لكي نأخذ مصالح أمريكا في الحسبان.
أولئك الذين يتخذون القرارات في القضايا الثقافيّة والقضايا الاقتصاديّة وفي مسألة التضخم والإنتاج والعملة الصعبة وفي القضايا الثقافيّة وفي مسألة الحجاب وغيرها؛ يجب أن يكونوا ملتفتين، وألّا يأخذوا في الحسبان مطلب أمريكا ومواقفها ومواقف الصهاينة. فليأخذوا في الحسبان مصالح البلاد ومصالح الجمهوريّة الإسلاميّة. حسنا، لحسن الحظ، أفرحت المواقف الصريحة والشجاعة لرئيس جمهوريتنا الموقر بشأن الكيان الصهيوني قلوب الناس، وقد اعترت الناس السعادة. اتّخذ جنابه موقفًا صريحًا وحاسمًا بشأن الكيان الصهيوني وتحرّكات أمريكا ومسانداتها له، وكان هذا أمرًا جيدا جدا.
يجب أن يحذروا، وعلى المسؤولين في البلاد أن يحذروا في هذا الصدد، بألا يخضعوا لإرادة الذين يعادون الشعب الإيراني والجمهوريّة الإسلاميّة من أعماق وجودهم، ويريدون لإيران الخراب ويتمنون ذلك؛ يجب ألا يستسلموا لهم.
إن القضية التالية هي قضية الأمل. يجب أن نعقد الأمل على الهداية الإلهية والعون الإلهي، وعلى القوة التي منحها الله لهذه الشعوب. تمامًا في النقطة المقابلة لذاك العمل الذي يرغب العدو في فعله، إذ يسعى إلى سلب قلوب شبابنا الأمل وأن يصيبهم باليأس، فإنّه على جميع مَن لديهم مخاطبين في المجالات الإعلاميّة وفي مقدورهم إيصال كلامهم ولديهم لسانٌ بليغ، أن يكون أحد أكبر أهدافهم وأكثرها أولويّة إحياء الأمل في القلوب، وحبس ألسنتهم عن الكلام الذي يبعث على اليأس.
كان هذا العمل الذي أولاه الإمام الخميني الجليل اهتماما كبيرا، ولاحظوا، في قضية "19 دي" نفسها هذه، حصلت هذه الحادثة في "19 دي"، وقام أهالي قم، وقمعت نهضة قم. جرحوا الناس وقتلوهم وجعلوا الشوارع مدماة. هذا بشأن "19 دي".
إن رسالة الإمام الخميني (ره) جاءت في الثاني من بهمن أي بعد اثني عشر يوما من النجف، وفي رسالة الإمام توجد هذه العبارة وقد دونتها: "إنني أبشر بالنصر الشعب الإيراني الذي يملك هذه اليقظة وهذا الوعي والروحيّة القويّة والشجاعة التي لا مثيل لها". قمع الناس في شوارع قم، من كان يتوقع الانتصار؟ يقول الإمام إنني أبشركم بالنصر! يبشر الإمام بأنّكم بعملكم هذا وبخطوتكم هذه، قلبتم إيران رأسا على عقب وغيرتم السياسة العالمية. هذه هي بشارة النصر التي يقدمها الإمام الخميني(ره).
من كان ليصدق في ذلك الحين أن هذه الحركة ستبلغ نقطة تكون في هذه المنطقة قوّة عظمى وكاسرة للحواجز مثل الجمهوريّة الإسلامية، لتعمل على إحداث الخلل للأهداف الخبيثة للغرب كلها قدر الإمكان وتمنع تحققها وتمنع كثيرًا من الاعتداءات، وتحول دون تحقق كثير من السياسات؟ من كان يصدق ذلك؟ من كان يصدق في ذلك اليوم أن يصل يوم تحرق فيه راية أمريكا في الدول الغربية، وتحرق في واشنطن أيضا؟ من كان يظن ذلك؟ في ذلك اليوم قال الإمام إنني أبشركم بالنصر. هذا يعني أن علينا الا نسمح أبدًا بانطفاء شعلة الأمل. اليوم، في هذه القضيّة الاقتصاديّة أيضًا نحن نعاني من المشكلات الاقتصاديّة يرى أولئك المتخصّصون والمطّلعون على الأمور، والخبراء، هؤلاء يرون الأفق مشرقا.
افترضوا أنه عندما يقال على سبيل المثال في السياسات، [تحقيق] الاقتصاد في البلاد نموا بنسبة ثمانية بالمئة، يطلق بعض الأشخاص تصريحات تفيد بأنّ هذا الأمر ليس ممكنًا. في معرض الناشطين الاقتصاديّين الذي شارك فيه رئيس الجمهوريّة، تحدث الناشطون الاقتصاديّون وأثبتوا وكرر رئيس الجمهوريّة كلامهم، قالوا إننا قادرون على تحقيق النمو بنسبة ثمانية بالمئة من دون الاحتياج إلى الخارج. عليه، يجب أن نكون مفعمين بالأمل في المجالات كلها، ولكن لا معنى للأمل من دون بذل الجهود.
يجب أن نتحلى بالأمل ونبذل الجهود، أن نتمتع بالأمل ونعمل بشروط التقدم. يجب أن نتأمّل ونعلم ما نريده ونسعى إليه وكيف ينبغي أن نسعى وراءه. هذا هو الأمل.
ندعم المقاومة في غزة والضفة الغربية
الموضوع الأخير الذي أرغب في طرحه هو أن مختلف الأحداث إن كانت أحداثنا أو أحداث المنطقة مثل أحداث سوريا يجب ألا تؤدي إلى تراجع قضية فلسطين في الأذهان. الجوهر الأساسي للمقاومة هو مقاومة الحركة الخبيثة للكيان الصهيوني. هذه هي المقاومة. المقاومة حيّة ويجب أن تبقى حية، وينبغي أن تزداد قوة يوما بعد يوم، ونحن نقدم الدعم للمقاومة. نحن ندعم المقاومة في غزة والضفة الغربية ولبنان واليمن، وفي أي نقطة يصمدون فيها في وجه الحركة الخبيثة للكيان الصهيوني ويقاومون.
انتهى**3276