وفي مقال بشأن مفجر الثورة الإسلامیة الامام الخميني (رض) أضاف حجازي: لم يكن تحقيق وعد الإمام الخميني وانتصار الثورة الإسلامية في إيران مجرد حادثة داخلية قادت إلى تغيير النظام السياسي فقط بل كانت الثورة زلزالا مدمراً للعالم الغربي الذي أعلن عدائَه منذ اللحظات الأولى وحتى الآن للنظام الإسلامي الفتي.
وفيما يلي نص المقال الذي كتبه هذا الكاتب المصري عن سيرة الأمام الخميني (قدس سره)، والمنهج والسبيل للعروج إلى ملكوت الحق والعدل بمناسبة ذکری رحیله:
إن حياة الإمام الخميني رضوان الله عليه حياة حافلة بصور إشرافية ونغمات ربانية شاملة لكل الأخلاق الإسلامية .
وكانت علاقة هذا الإنسان العظيم بالله وإخلاصه للإسلام ووفائه لجميع المسلمين والمستضعفين في العالم عاملا رئيسيا يميز شخصيته التي كانت سببا في خلق هذه الأمة القائدة، الأمة المعطاء، الأمة المجاهدة والمضحية من أجل الإسلام.
واستطاعت روح الإمام وحكمته وإرادته المخلصة أن تربي هذا الشعب الصابر الذي حَقق حلم الأنبياء بإقامة دولة العدل الإلهي وإعادة البشرية إلى مسيرتها الصحيحة نحو الله. صور كثيرة من أخلاق وصفات الله تجلت في سلوك هذا الرجل المبارك وكانت سببا في انتصار الثورة الإسلامية في إيران.
وإنه الإمام روح الله الموسوي الخميني رجل من قم، أشرق من فجر التاريخ مجددا يعيد إحياء الدين، ليس المذهب الجعفري او الإسلام وحدهما بل ليعيد إنعاش علم الروح ويوقظ تلك البواعث الغافية في أعماق النفوس الحائرة ويعلن أن هذا القرن هو قرن انتصار المستضعفين على المستكبرين وقوى الاستعمار الغربي بسلاح الروح والإيمان.
وإيمانا مني بضرورةِ إيفاء هذا العظيم بعضا من حقه أتشرف بتقديم هذه القبسات من سيرة الأمام الخميني قدس الله سره والتي ستظل منهاجا وسبيلا للعروج إلى ملكوت الحق والعدل.
فلاشك أن اسم آية الله الإمام السيد روح الله الموسوي الخميني هو من الأسماء ذات المكانة المرموقة التي سجلها التاريخ الإسلامي والإنساني بحروف من نور وأقر لها بالخلود والبقاء في صفحاته الناصعة.
فهذه الشخصية التاريخية الفذة جمعت من خصال الخير وخصائص السمو ما ندر اجتماعها كاملة في غيره من الشخصيات التاريخية.
فهو العالم الرباني العامل والمتبحر في مختلف فنون المعارف الإسلامية وهو مجدد الإسلام الذي أزاح عن وجه الدين المحمدي النقي الكثير من غبار التحريف والخرافات والبدع.
هو القائد الذي رفع نبراس مدرسة علوم الإسلام وتحدى بهما طواغيت العصر وزعماء الاستكبار والكفر وحطم الكثير من أوثان وأصنام جاهلية القرن العشرين.
وأقام دولة الإسلام في عصر غربة الإسلام، فكانت نهضة هذا القائد منطلقا لانبعاث حركة العودة للإسلام. لقد ذاب الخميني في الإسلام الحق فكانت سيرته تجسيدا عمليا للقيم الإلهية وبذلك صار من أولياء الله حقا وأسوة لكل من يطلب السير على الصراط المستقيم.
وولد الإمام الخميني عام ألف وتسعمائة واثنين في مدينة خمين الواقعة على بعد ثلاثمائة وتسعة وأربعين كيلومترا جنوب غربي طهران في بيت عرف بالعلم والفضل والتقوى. ولم تمض على ولادته ستة أشهر حتى استشهد والده آية الله السيد مصطفى الموسوي على أيدي الإقطاعيين المدعومين من قبل الحكومة آنذاك. وهكذا تجرع الإمام الخميني طاب ثراه منذ صباه مرارة اليتم وتعرف على مفهوم الشهادة.
ودرس سماحة الإمام في مدينة خمين حتى سن التاسعة عشرة مقدمات العلوم بما فيها اللغة العربية والمنطق والأصول والفقه على يد أساتذة معروفين، ثم التحق بالحوزة العلمية في مدينة أراك، وبعد أن مكث فيها لمدة عام هاجر إلى مدينة قم المقدسة ليواصل الدراسة في حوزتها وهناك اهتم بدراسة علم الرياضيات والفلسفة فضلا عن المشاركة في دروس علوم الأخلاق.
وبعد فترة وجيزة نال درجة الإجتهاد في المدرسة الفيضية وأصبح من العلماء البارزين ومن مدرسي الحوزة العلمية المعروفين.
وبدأ الإمام الخميني قدس سره بتدريس الفلسفة وعمره سبعة وعشرون عاما وكان شديد الحرص على اختيار الطلاب الجيدين والمادة المناسبة. وكان يهتم بتربية طلابه ويؤكد لهم على ضرورة تهذيب النفس والتحلي بالفضائل وتجنب الرذائل.
وتولى الإمام تدريس علم الأخلاق فأخذت حلقته الدراسية تتوسع وتشتهر رويدا رويدا. كما بدأ جهاده في عنفوان شبابه وواصله طوال فترات الدراسة بأساليب مختلفة بما في ذلك مقارعته للمفاسد الاجتماعية والانحرافات الفكرية والأخلاقية.
واستطاع رضوان الله عليه بفضل إيمانه الراسخ بالله وعلمه وحنكته وتقواه وشجاعته أن يقود الشعب الإيراني مسلم بثورة تستأصل الحكم الشاهنشاهي العميل للغرب وإقامة النظام الإسلامي الذي ضرب أروع المثل في إنجاح أطروحة القيادة الإسلامية.
ولم يكن تحقيق وعد الإمام الخميني وانتصار الثورة الإسلامية في إيران مجرد حادثة داخلية قادت إلى تغيير النظام السياسي فقط بل كانت الثورة زلزالا مدمرا للعالم الغربي الذي أعلن عدائه منذ اللحظات الأولى وحتى الآن للنظام الإسلامي الفتي.
وكان الإمام الخميني يطمح من خلال التعبئة العامة للشعب الإيراني لإعمار البلاد وتجسيد مثال المجتمع الديني السليم والمتطور لهذا الغرب المتكبر.
وبوحي من ذلك أعلن عن تشكيل مؤسسة جهاد البناء التي هيأت الأرضية لانتشار الكوادر الثورية المسلمة في المناطق المحرومة والقرى والأرياف لتنجح خلال فترة وجيزة في تنفيذ عمليات شق الطرق وإنشاء المراكز الصحية والعلاجية وتأسيس شبكات المياه والكهرباء على نطاق واسع وتلك هي إيران الآن بفضل تلك الروح التي بثها الإمام المبدع في أبناء شعبه شارفت إنجازاتها الفضاء ووطنت العلم وجابت آفاق التكنولوجيا النووية والعسكرية وأصبحت النموذج والمثال لباقي الأمم التي تريد لشعوبها مستقبلا مشرقا مشرفا قائما على استقلال القرار والمصير.
وعلى الرغم من أن الإمام الخميني كان قد شارف عمره على التسعين إلا أنه لم يتوان لحظة واحدة على طريق رقي المجتمع المسلم، فقد كان يعتبر وبحق من أكثر الزعماء السياسيين نشاطا في العالم.
فعلى الرغم من انشغاله اليومي بقراءة عشرات الملفات الخاصة بأمور الدولة والثورة وجدوله اليومي الحافل بالمقابلات للشخصيات العامة الإيرانية والدولية ومتابعة الأخبار السياسية، الداخلية منها والعالمية.
وكان سماحة الإمام يؤمن بشدة بالنظام والانضباط في الحياة، فقد كانت لديه ساعات معينة من الليل والنهار يتفرغ فيها للعبادة والتهجد وتلاوة القرآن.
كما أن رياضة المشي التي كان يصاحبها ذكر لله والتأمل والتدبير كانت جزءا من حياته اليومية. كما كان رضوان الله عليه حريصا على اللقاء بطبقات الشعب لاسيما الطبقات المحرومة والمستضعفة.
فحتى آخر لحظات عمره المباركة كان لديه لقاء أسبوعي مع عوائل الشهداء، ولم تحل نشاطاته اليومية المكثفة ولا حضوره المستمر اجتماعات مسئولي النظام الإسلامي دون ذلك.
إنه قدس الله سره قدوة في سلوكه الأخلاقي الرفيع وفي سلوكه الاجتماعي الواعي وفي قيادته الحكيمة وفي عبادته المتفانية حبا في الله وفي وعيه السياسي الواسع الأبعاد. فلنعش دوما مع بعض جوانب حياته المليئة بالدروس والعبر .. ولنتقد بسيرته الحميدة المعطاء.
ولم يسكت لحظة واحدة إلا وأن أعلن الحق وحارب الباطل ولم يتهاون طرفة عين عن الحركة في هذا الصراط المستقيم الذي أنعم الله عليه فأدخل حبه في قلوب المسلمين بل المستضعفين أجمعين.
وهذا الود وهذا الحب هو الذي حرك الجماهير وجعلهم طوع أمره ورهن إشارته لأن المسلمين رأوا إمامهم ومرجعهم وقائدهم مخلصا لله ومتفانيا في حب الله وخادما صادقا للإسلام وفقيها حكيما ومدبرا رشيدا يجتهد للتحلي بحكمة علي وحلم الحسن وشجاعة الحسين وأسوة حسنة من خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وعلى آل بيته أجمعين.
إنه الخميني العظيم نور في قلوب الناس، فلتبق نهضته المطعمة بتعاليمه وإرشاداته وتوجيهاته القيمة التي سجلها التاريخ بكل تواضع وتركزت في أذهان المسلمين واستيقنتها أنفسهم ونمت مع كل قطرة دم قدمها شهيد لثرى إيران. ستبقى هذه النهضة الخمينية منهجا للثوار المسلمين في كل أنحاء العالم.
وفي الختام ندعو الله أن يديم نهضته وأن يحفظ هذه الجمهورية الإسلامية في إيران كونها ملجأ المستضعفين وقاعدة انطلاق الثورات التحررية العالمية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
انتهی**3280
تعليقك