وجاء في المقال:
بلغت الوقاحة بوزارة الخارجية الإسرائيلية أعلى درجاتها عندما بعثت برسالة احتجاج اليوم إلى كل من دولة قطر، والفيفا عبر وفدها الدبلوماسي المقيم مؤقتا في الدوحة ضد ما حدث لطواقهما الإعلامية ومشجعيها من احتقار، وازدراء، من قبل رواد المونديال من العرب والمسلمين وشرفاء العالم، وطالبتهما بضرورة السماح بحرية الصحافة كاملة، والسماح للإسرائيليين بالتنقل بأمان.
إنه الغرور والغطرسة وتضخم الذات في أبشع صورة، فقد كان على الإسرائيليين أن يحمدوا الله أولا لأنهم يتواجدون على أرض عربية مضطرة حكومتها على استضافتهم تطبيقا لبنود قوانين كأس العالم، وثانيا، لأنهم تعرضوا للرفض "المهذب" والمشروع، وليس لأعمال عنف من قبل المشجعين العرب، الذين اكتفوا فقط بمقاطعتهم وازدرائهم والتلويح بالكوفية والأعلام الفلسطينية، ثم أين حرية التعبير التي يتحدثون عنها، وماذا يريدون أكثر من نصب كاميراتهم وتوفير الأمن لهم، أليسوا هم من قتلوا هذه الحرية بتكميم الأفواه، واغتيال رجال الصحافة ونسائها وآخرهم الشهيدة شيرين أبو عاقلة؟
ماذا كان يتوقع مراسلو محطات التلفزة الإسرائيلية.. وقوف المشجعين العرب في طوابير أمام كاميراتهم، وأخذهم بالأحضان، وتمجيد دولتهم وحكوماتهم العنصرية الملطخة أيدي جنرالاتها وجنودها ووزرائها بدماء الأطفال الفلسطينيين؟
نعم الرسالة التي أراد المشجعون العرب من مختلف الجنسيات، وكرد فعل عفوي، تقول "أنتم أعداء قتلة حكومتكم ارتكبت جرائم حرب موثقة دوليا بالصوت والصورة ضد أهلنا في فلسطين المحتلة، ونحن نكرهكم ونتعامل معكم كأعداء، ولا نريدكم على أي أرض عربية".
الإسرائيليون حكومة وشعبا اعتقدوا خطأ أن شعوب دول الخليج الشقيقة باتوا أصدقاء حميميين لهم ولم يعرفوا، وهم الذين يدعون أنهم أذكى البشر، أن توقيع بعض الحكومات اتفاق "سلام أبراهام" معهم وفتح سفارات لهم في عواصمها، وفرش السجاد الأحمر للمسؤولين الإسرائيليين الزائرين، لا يتجاوز مساحة السفارة الإسرائيلية ومبنى وزارة الخارجية في الدولة المطبعة التي تستقبلهم، ولا يعني مطلقا أن هذه الحكومات تمثل شعوبها، وتعكس رغباتها، وتطلعاتها الحقيقية تجاه هذه الدولة الغاصبة، وكان المراسلين الإسرائيليين على حق، وفي منتهى الدقة عندما قالوا في تقاريرهم المصورة "لا يحبوننا ولا يريدوننا ويؤكدون جميعا لنا أنه لا يوجد شيء اسمه إسرائيل، وإنما فلسطين فقط".
نستغرب استغراب الإسرائيليين، وحكوماتهم، من هذا الوجود القوي للقضية العربية الفلسطينية في قلوب وضمائر المشجعين العرب والمسلمين في مونديال قطر، وهم الذين يدعون (أي الإسرائيليين) أنهم يملكون أضخم وأهم بنوك العقول "think tanks"، وأقوى وأحدث أجهزة المخابرات والرصد في العالم، ويعرفون كل صغيرة وكبيرة في الوطن العربي، ويصدرون دراسات يتباهون بدقة تفاصيلها ونتائجها، وثبت عمليا من خلال وقائع كأس العالم في قطر بأنها مضللة وكاذبة، وتعكس أمنيات أصحابها وليس الحقائق على الأرض.
الإسرائيليون، حكومة وشعبا، وقعوا في مصيدة نصبتها لهم بعض أجهزة المخابرات العربية، تمثلت في إرسال بعض "الدشاديش" و"الغتر" إلى تل أبيب يتغنون بالتطبيع وحب "إسرائيل"، ويتهمون الفلسطينيين ببيع أراضيهم، ويصادقون أفخاي أدرعي الناطق باسم الجيش الإسرائيلي ويتابعونه، وحساباته، على السوشيال ميديا، لإعطاء انطباع بأنهم يمثلون أغلبية أو معظم المواطنين في بلادهم، وهم في الحقيقة إما رجال مخابرات أو مجندين من الأجهزة الأمنية في إطار "مسرحية" تطبيعية جرى إعداد فصولها الكوميدية بدقة متناهية.
***
نبشر الإسرائيليين، حكومة وشعبا، أن النفور والكراهية العربية لهم ستزداد في الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة مع عودة المقاومة الفلسطينية إلى ينابيعها الأولى الممثلة في شباب الضفة الغربية إلى ميدان المواجهة بالطرق كافة مع الاحتلال، واليوم "عرين الأسود" وغدا "أحرار الجليل"، وبعد غد "نمور الخليل"، واحفظوا هذه الأسماء جيدا.
ختاما نقول وقعوا ما شئتم من اتفاقات "سلام أبراهام"، ومع من شئتم، ولكن تذكروا شيئا واحدا أن الشعوب العربية لن تطبع معكم، وأنكم غير مرحب بكم لا في الأراضي العربية، ولا الفلسطينية المحتلة، والشعار الذي رفعه أحد المشجعين السعوديين "يلا.. يلا.. يلا.. إسرائيلي برا"، سيكون عنوان المرحلة المقبلة، لأنكم وقعتم هذه الاتفاقات مع الجهات الخطأ، ولن يعطيكم السلام والأمن، والبقاء، أو الخروج الآمن، إلا الشعب الفلسطيني بشروطه وإملاءاته.. والأيام بيننا.
انتهى
تعليقك