أخيرًا، وبعد تلكّؤ ارتباكي، اعترف مسؤولون أمريكيّون بالرّواية الإيرانيّة المُوثّقة بالصّور والفيديوهات، التي أكّدت نجاح قوّات تابعة للحرس الثوري في تحرير ناقلة نفط إيرانيّة احتجزتها عدّة سُفن ومروحيّات تابعة للجيش الأمريكي في بحر عُمان، وأفرغت حُمولتها في ناقلة أُخرى ترفع العلم الفيتنامي.
قوّات الحرس الثوري هاجمت السّفن الأمريكيّة، وحرّرت النّاقلتين الإيرانيّة المُختَطفة، والفيتناميّة التي جرى نقل حُمولتها إليها، وقادتهما إلى المِياه الإقليميّة الإيرانيّة قُرب ميناء عبدان، عبر عمليّة إنزال جوّي لفرق كوماندوز، ولم تجرؤ القوّات والسّفن الحربيّة الأمريكيّة على إطلاق رصاصة واحدة، حسب تقارير وكالات أنباء عالميّة استندت إلى تسريباتٍ أمريكيّة شِبه رسميّة.
مسؤول أمريكي اعترف لمجلة “نيوزويك” أنّ عدّة قوارب للحرس الثوري قامت بالهُجوم على قافلة النفط المخطوفة، والأُخرى التي جرى تفريغ مُحتواها في خزاناتها في عمليّة إنزال جوّي، الأمر الذي أعطى مصداقيّة كبيرة للإعلام الإيراني الذي كشف النقاب عن هذه المُواجهة البحريّة مُنذ الصّباح الباكِر وسط صمت رسمي أمريكي.
التوتّر بدأ يتصاعد في مِياه الخليج (الفارسي) وبحر عُمان مُنذ بضعة أيّام، ووصل ذروته قبل ثلاثة أيّام تحديدًا عندما أرسلت القِيادة العسكريّة الأمريكيّة القاذفة الأمريكيّة العملاقة “B 1” إلى المنطقة وفي معيّتها طائرة إسرائيليّة من طِراز “إف 15” في “استِفزاز” غير مسبوق لإيران.
قبل بضعة أيّام طالب دينيس روس المبعوث الأمريكي الأسبق للشرق الأوسط وأحد أبرز “نُجوم” اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، إدارة بايدن بالتّهديد بالعمل العسكري ضدّ إيران التي باتت على حافّة “العتبة النوويّة” وإرسال هذا النّوع من القاذفات العملاقة مع إسرائيل لتدمير المُنشآت النوويّة الإيرانيّة المدفونة وسط الجِبال.
وبالتّوازي مع هذا التّحريض “المدروس” تقوم “إسرائيل” حاليًّا بمُناوراتٍ عسكريّة تُشارك فيها جميع أذرعها العسكريّة بمُحاذاة الحُدود اللبنانيّة، ويُركّز جوهرها على الاستِعداد لمُواجهة هجمات صاروخيّة مُكثّفة من قبل “حزب الله” وتهيئة الجبهة الداخليّة لحربٍ طويلةِ المدى قد تمتدّ لأسابيع، ممّا يعني العيش في الملاجئ، ووقوع خسائر بشريّة ضخمة، وانقِطاع الخدمات العامّة من ماءٍ وكهرباء، وزُحام شديد على المُستشفيات، وربّما حالة هُروب جماعيّة.
خطف القوّات الأمريكيّة المُرابطة في منطقة الخليج (الفارسي) وبحر عُمان لناقلة نفط إيرانيّة، يُشَكِّل أبشع أنواع القرصنة الرسميّة، وإعلان حرب علنيّة ضدّ إيران، الهدف منها جرّها إلى مُواجهةٍ عسكريّة ربّما باتت وشيكةً، في حال خُضوع إدارة بايدن للتّحريض الإسرائيلي ضدّ إيران.
الرّد الإيراني الفوري، والنّاجح، جاء صادمًا للإدارة الأمريكيّة وقِيادتها العسكريّة، لأنّها توقّعت “امتِصاص” إيران الضّربة، وعدم الرّد، على غِرار ما يحدث حاليًّا من هجماتٍ على قوّاتها ومخازن أسلحتها في سورية، فقرار الرّد في مِياه الخليج (افارسي) والمُحيط الهندي، أُحادي، أيّ إيراني صرف، بينما الرّد على الهجمات الإسرائيليّة، ومن الأراضي السوريّة، ثُنائي أو حتّى ثُلاثي، يحتاج إلى مُوافقة كُل من الحُكومتين الروسيّة والسوريّة، والمعلومات المُتوفّرة لدينا تقول إنّ هُناك مُعارضة قويّة منهما، والجانب الروسي بالذّات، على أيّ غارةٍ إسرائيليّة.
الرّسالة الإيرانيّة التي حملتها عمليّة الإنزال الجوّي لقوّات الحرس الثوري، وتحرير النّاقلة الإيرانيّة، وجرّ الفيتناميّة المُحمّلة بالنفط الإيراني المسروق، تقول بالحرف الواحد “نحن لا نخشاكم، وجاهزون للمُواجهة العسكريّة، والرّد على أيّ عُدوان يستهدفنا مهما كان الثّمن”.
السّؤال الذي يطرح نفسه بقُوّةٍ هو عن ردّ الفِعل الأمريكي على هذا الموقف الإيراني الشّجاع، بكُل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، الذي ألقى الكُرة في الملعب الأمريكي، خاصَّةً بعد أن رفضت السّلطات الإيرانيّة العودة إلى مائدة المُفاوضات النوويّة مع الدّول السّت الكُبرى بزعامة أمريكا بالتّهديدات العسكريّة بالشّروط الأمريكيّة.
المقولة السّابقة التي كانت تتردّد وتحظى بسُخريةِ بعض عرب أمريكا، بأنّ محور المُقاومة سيَرُد على أيّ عُدوان أمريكي أو إسرائيلي، في الوقت والزّمان المُناسبين، قد سقطت، وانتهى عُمرها الافتِراضي، بعد اكتِمال الاستِعدادات للمُواجهة ضدّ أيّ عُدوان للتّحالف الأمريكي الإسرائيلي وبات “الرّد الفوري” هو عُنوان المرحلة المُقبلة.
نُدرك جيّدًا أنّ أمريكيًّا دولة عُظمى، وتملك حاملات طائرات، وقاذفات عملاقة، وقنابل نوويّة، ولكنّها تملك في الوقت نفسه قواعد في المنطقة، أبرزها القاعدة الإسرائيليّة، وهذه القواعد ستكون هدفًا للرّد على أيّ عُدوان على إيران ومحورها من أكثر من جبهة.
أمريكا التي مُنِيَت بهزيمة فاضحة في أفغانستان، وانسحبت بشَكلٍ مُهين منها، قبل أربعة أشهر فقط، ما زالت تلعق جِراحها، وتُحاول التّعايش مع هذه الهزيمة، ولا نعتقد أنّها بصدد الوقوع في المصيدة الإيرانيّة التي قد تكون أكثر كُلفةً على الصُّعُد كافّة، وبضَغطٍ من الحُكومة الإسرائيليّة، فالتورّط في حربٍ مع إيران قد يعني استِغلالها من قبل الصين لاستِعادة تايوان عسكريًّا، وإحكام سيطرتها على كُلّ شرق آسيا.
نحن في انتِظار ردّ الفِعل الأمريكي الذي لم يصدر حتى كتابة هذه السّطور، وستكون لنا عودة في الحالين، صُدوره أو عدمه، ومَيْل إدارة بايدن للصّمت، وامتِصاص الأزمة، إيثارًا للسّلامة وتقليص الخسائر.. وربّما يكون الخِيار الأرجح.. واللُه أعلم.
انتهى ** ح ع
تعليقك