وكتب كنعاني في مقال نشر على موقع مکتب رعایة مصالح الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة في مصر :
ان هناك الكثیر من التحدیات التي تواجهها أمریكا، حیث أجبرت هذه التحدیات أمریكا على عدم التركیز على الموضوعات الإستراتیجیة الدولیة وخاصة في منطقة غرب آسیا وشمال أفریقیا، فقد فشلت الأجندات العسكریة الأمریكیة في العراق وأفغانستان ولیبیا وسوریا وغیرهها، وهذه الهزائم قد أثبتت للجمیع فشل أمریكا في متابعة أهدافها الإستراتیجیة، لم یعد أمام أمریكا الآن سوى استخدام أداة العقوبات ضد أعداءها ومنافسیها، وهي الأداة التي استطاعت إیران الخروج من تحت طائلتها مُنتصرة على الرغم من جمیع الصعوبات المریرة وجمیع المساعي الأمریكیة وضغطها على بقیة الدول من أجل اتباع هذه العقوبات، إن التجربة الإیرانیة في إفشال العقوبات الأمریكیة قد أظهرت مدى فشل فعالیة أداة العقوبات أمام العالم بل وجعلت الكثیر من الحكومات والشعوب تكتسب المزید من الثقة بالنفس لمواجهة مثل هذه الظروف، وفي الوقت الحالي تنظر روسیا إلى تجربة إیران الناجحة ولا تُلقي بالًا لحجم العقوبات الأمریكیة-الأوروبیة الواهیة وهي مستمرة بقوة في متابعة مصالحها والدفاع عن أهدافها الإستراتیجیة ضد الضغط الأمریكي والأوروبي.
في الوقت الحالي یعلم حلفاء أمریكا في منطقة الخلیج الفارسي أكثر من أي وقت مضى أن الاعتماد المحض على أمریكا لا یؤمن لهم الاقتدار ولا الأمان في مواجهة التهدیدات التي تواجه أمنها القومي، وعلى الأقل فقد أدركت السعودیة ذلك تمامًا خلال حربها التي استمرت 7 سنوات ضد الیمن.
ولفت: هنا نرى أیضًا أن اعتماد أوكرانیا على أمریكا وأوروبا وانفصال أجزاء من أراضیها لهو عبرة أخرى ودرس لمن یرید الاعتبار من الاعتماد على الغرب بدلًا من التركیز على القدرات الوطنیة وعمل علاقات حكیمة ومتوازنة إقلیمیًا، كما أن آخر التصریحات التي أطلقتها المتحدثة الرسمیة باسم البیت الأبیض حول آخر التطورات في أوكرانیا لهی مثال واضح وصریح على مدى دعم أمریكا لحلفائها، "نحن لن ننجر إلى حرب مع روسیا ولن نُرسل قوات للحرب في أوكرانیا، بل سنخطو خطوات أخرى". وبهذا فإن المتحدثة باسم البیت الأبیض تُفهم حلفاء أمریكا ألا یرفعوا سقف طموحاتهم حول مدى الدعم المُنتظر من أمریكا.
یجب أیضًا على الدول المتوسطة والصغیرة فی العالم ألا یطمحوا ویأملوا كثیرًا في أوروبا، فإن أوروبا نفسها قد مرت بتجربة حربین عالمیتین مدمرتین ولم تستطع دعم اقتصادها وأمنها سوى بالدعم الاقتصادي والعسكري الأمریكي، لذا فلن یكون بإمكان أوروبا تقدیم دعم محوري لحلفائها في ظل الظروف الصعبة، أوروبا هي صدیق في فترة السلام من أجل متابعة مصالحها الاقتصادیة والسیاسیة، أما فترات الحرب والتحدیات الجیوسیاسیة فلا یُمكنها أخذ خطوة محوریة دون الرجوع لأمریكا، وهذا في الوقت الذي نرى فیه أن الآلة العسكریة الأمریكیة قد عطبت منذ سنوات، وعلى الجانب الآخر نرى أن الاقتصاد الأوروبي لا یُمكنه تحمل الضغوطات الأمریكیة والمزید من التوتر مع روسیا، وهناك أبعاد أخرى وشواهد ودلائل تُظهر بوضوح أن الغرب وعلى رأسه أمریكا قد هُزم في ادعاءه الذي یدور حول قیادته لدول العالم، كما أنه قد فقد صلاحیته السیاسیة والأخلاقیة، لذا فإن الحكمة والنظرة الصحیحة للمستقبل یستلزمان من كل من یسیر في مسار الحرب والأزمات الأمنیة والعسكریة – وخاصة أولئك الموجودین في قلب التنافس بین القوى وبعضها – ألا یطمحوا كثیرًا ویأملوا في الدعم الأمریكي والأوروبي.
في منطقة الشرق الأوسط – وهي البیت المشترك للشعوب الأصیلة وذات الحضارة في المنطقة – یوجد بعض من قادة الدول قد قرروا خلال العامین الماضیین أن یُعوضوا ضغف الدعم الأمریكي وانسحابها التدریجي من المنطقة باللجوء إلى أحضان الكیان الصهیوني والسلام الدافئ معه! هذا في الوقت الذي نرى فیه الكیان الصهیوني نفسه عاجزًا عن حمایة نفسه، حیث بعد معركة سیف القدس – التي غیرت الموازنات العسكریة الإستراتیجیة داخل الأراضي الفلسطینیة المحتلة لصالح الشعب الفلسطیني وحركات المقاومة – أصبحت حركات المقاومة الشعبیة تقوم باختبار دقة وبُعد صواریخها أمام أعین وأنظار هذا الكیان في قطاع غزة وبینما الكیان الصهیوني یبحث عن متنفس معیشي له فی المناطق الأخرى، فقد أصبحت فناءه الفارغ في قطاع غزة والضفة الغربیة وحتى داخل الأراضي المُحتلة منذ 1948م تحت رحمة قوة الفلسطینیین المتنامیة وغیر القابلة للإقصاء، وهنا یظهر "بیت العنكبوت" بمعناه الحقیقي والواضح.
لا یفرحنَ المسئولون الصهاینة ولا یحدوهم الأمل بعملیة التطبیع مع بعض الدول العربیة، فهذا التطبیع الرسمي مع الأنظمة العربیة لن یحل مشاكل هذا الكیان مع العالم العربي والإسلامي، فلم تعترف شعوب المنطقة أبدًا بهذا الكیان ككیان مشروع داخل المنطقة ولم تتعاطف معه بأي شكل من الأشكال، لذا فإن عملیة التطبیع الرسمیة آیلة للسقوط والانهیار في أي وقت، كما أن الكیان الصهیوني لم ینس إغلاق سفارته في طهران وتسلیمها للفلسطینیین.
إن الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة وفي حكومتها الثالثة عشر برئاسة سید إبراهیم رئیسي تؤكد أكثر من أي وقت مضى أن علاقاتها وسیاستها مع دول الجوار تحظى بالمقام الأول في أولویاتها، وهي تمد ید الصداقة بكل عزة نفس نحو دول المنطقة، وقد أكد ذلك وزیر خارجیة الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة حسین أمیر عبداللهیان حینما قال مؤخرًا: لا یوجد أي حل للأزمات الإقلیمیة سوى التفاوض والتعاون، ولا یوجد نتیجة للتنافس سوى الخراب وضیاع الثروات الإقلیمیة، لا تستطیع دول المنطقة أن تنال أمنها من خلال انعدام الأمن لدى الآخرین.
إن الاستقرار والأمن المستدام في المنطقة والتنمیة الاقتصادیة یتأتى في ظل التعاون الإقلیمي والاعتماد على التعاون الإقلیمي الجماعي، وتحمل حكومات المنطقة مسؤولیة تاریخیة أمام مستقبل شعوبها، لذا یجدر بالنخب السیاسیة والاقتصادیة المخلصة تذكیر صانعي القرار بهذه الضرورة.
انتهی**3269
تعليقك