التأثر والتأثير بين الفارسية والعربية

بيروت/18 تموز/يوليو/ أقامت المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان ندوة حوارية في الفضاء الإفتراضي بعنوان "التأثر والتأثير المتبادلان بين الفارسية والعربية" بمشاركة عدد من الشخصيات الإيرانية والعربية التي تحدثت حول التبادل الثقافي بين الفارسية والعربية , على اعتبار أن الإيرانيين والعرب تشاركوا في صنع الحضارة الإسلامية، وتدانى أدبهما، واقترب بعضه من بعض واقترضت اللغة الفارسية الألفاظ من اللغة العربية، وأقرضتها ألفاظها.

وشارك في الندوة عدد كبير من الأكاديميين والأساتذة المتخصصين باللغتين العربية والفارسية وآدابهما , ينتسبون الى جامعات عريقة من  الجمهورية اللبنانية , الجمهورية الاسلامية الايرانية , دولة الكويت ,جمهورية مصر العربية , سلطنة عمان , الجمهورية العربية السورية , ودول عربية واسلامية أخرى, كما تميزت الندوة بالحضور لافت لمجموعة من أصحاب الاختصاص والمهتمين في الأدبين العربي والفارسي الذين قدموا مساهمات غنية في خلال الندوة , كان بنتيجتها أن أوصت الندوة بسلسلة من التوصيات ,بعد حوار جاد هدفه إيجاد تلاحم أكبر بين اللغتين , ومن ضمن التوصيات والاقتراحات:

-إنشاء مراكز لتعليم اللغتين في إيران وفي البلدان العربية بأساليب جديدة و بالاستفادة من التعليم الافتراضي.

الاهتمام بالترجمة في مختلف المجالات العلمية والمعرفية.

الاهتمام بتبادل الأساتذة والطلاب بين العرب والايرانيين.

-إجراء مشاريع مشتركة علمية بين علماء اللغة العربية والفارسية في العلوم المرتبطة باللغتين.

-إنشاء مركز رسمي لتعريب أعمال القامات الأدبية المعاصرة وإيصالها إلى العالم العربي على غرار المركز القومي للترجمة في القاهرة.

-تنشيط تعليم اللغة الفارسية في العالم العربي وكذلك تعميم دراستها عبر قنوات التواصل والإنترنت.

-تشجيع الدارسين للغة الفارسية في الجامعات العربية على الترجمة.

- توفير مناهج وأقراص سي دي للطلاب العرب ليستطيعوا التفاهم مع اي ناطق بالفارسية.

في البداية تقديم من الاستاذة مريم ميرزادة  والتي تساءلت عن جذورُ التأثّر والتأثير بين اللغات,  طارحة الاسئلة التالية:

أيُّ نسقٍ خلفَ نشوءِ علاقاتٍ من هذا النوع ما بين التعبير السيميائي ومرموزاتِه؟

ما علاقةُ الأدب باللغة؟ واللغة بالسلطة؟ وما علاقة الخطاب الأدبي بالخطابات الأخرى؟ إلى أيّ مدى يمكنُ إحالةُ التعبير إلى أن يكونَ محاكاةً ترتبطُ بالواقع؟

اضافت مريم ميرزادة " لقد كانت اللغة موضوعًا حاضراً بقوة في تفكير الفلاسفة، فطرحَ ديكارت اللغة في علاقتها بالفكر والعقل، وطرحها روسو في بعدها الاجتماعي، واهتمّ هيغل في بعدها الثقافي. وما بين المنطق والشاعرية والخطابة والمحاكاة، فإننا لا نلبثُ نقتفي الأثر الأول وصولاً إلى الجذور".

بعد ذلك  تحدث المستشار الثقافي للجمهورية الاسلامية الايرانية في لبنا ن الدكتور عباس خامه يار فأعتبر ان "اليوم هو  الحوار والتعامل البنّاء مع العالم، وهذه المناسبة التي أٌقرّها مجلس الشورى الأعلى للثورة الثقافية، مناسبةٌ دعَتنا إلى الاجتماع في حلقةٍ من الحوار البنّاء، لغةً وثقافةً وفكرا  ".

 أضاف الدكتور عباس خامه يار "لقد بدأ الخلقُ بالحوار، بالكلمة المتبادلة ما بين الخالق وملائكته وآدم أبي البشر , وأن  الحوار يعتبر  سلوكاً إنسانياً محموداً يعكس الحضارة الإنسانية. وهذا يعني بأننا قادرون بل من واجبنا أن نتحاور مع الآخرين ومع ثقافاتهم، ونتعرف على رؤاهم وآرائهم، وهكذا ينشأ التواصل الإنساني الذي لا مفرّ منه مذ كان الإنسان. هذا التواصل الذي نتجَ عن حاجة الاجتماع البشري الغريزية، وأدّى إلى ظهور اللغة وكافة استخداماتها الحياتية". 

وشدد المستشار الثقافي على انه  "يمكن اعتبار الحوار بين إيران والعرب قطعةً من أحجية حيث يقوم الحوار في صفحةٍ واسعة من الأشكال المختلفة. بتعبيرٍ آخر فإن الأحجية نفسها هي عبارةٌ عن حوارات الثقافات الكبرى والواسعة مع الغرب، الشرق، الصين، وسائر الأديان. وما هذه الحوارات إلا قطعةٌ من تلك الأحجية الكلية التي قد تكون في صدارة الأولويات بطبيعة الحال وفي ظل الظروف الإقليمية وتحولات العالم العربي الأخيرة".

وفي الختام  وبعد ان حيا  الدكتور عباس خامه يار الأساتذة المشاركين بالندوة، ختم كلامه  بآيةٍ قرآنية  تحملُ إشارةً إلى أهمية اللغة "ومن آياتِهِ خَلقُ السماواتِ والأرضِ واختلافُ ألسنتِكُم وألوانِكم إن في ذلكَ لآياتٍ للعالمين".

من جهتها الكاتبة والباحثة والأستاذة في الجامعة اللبنانية الدكتورة دلال عباس تحدثت عن "التأثير والتأثر المتبادلان بين العربية والفارسية؛ المصطلحات الفارسية في اللغة العربية" فأكدت على "أهميّة الترجمة ودورها في إغناء اللغة العربيّة في عصر النهضة الشاملة، عَنيتُ العصرَ العبّاسيّ قالت الدكتورة عباس ، والطرق التي استخدمت في تعريب الألفاظ غير العربيّة، وذلك من خلال استقراء كتب التراث. ويُقسم إلى مقدّمة وثلاثة  مباحث غير منفصلة: في المقدّمة كلام على الترجمة بوصفها من أهم طرق التثاقف والتأثير المتبادليْن بين الشعوب".

وقدمت الكتورة عباس  نماذج من المصطلحات الدخيلة والمترجمة بالعربيّة، وكيف أُخضعت لمنهاج اللغة العربيّة، إمّا بإيجاد بديل عربيٍّ لها أو بتغيير بعض الأصوات، من طريق حذف ما ليس من أصوات العربيّة، أو إلحاق وزن اللفظ بأحد أوزان العربيّة.

وعليه يمكن القول  شددت الدكتورة دلال عباس على إنّ اللغات كالناطقين بها تتحاور وتتثاقف وتتبادل المعرفة، وتستعير ما تفتقده من ألفاظ في ما بينها، فما من لغة في العالم خالصةً كما قد يتصوّر البعض، فاللغة الحيّة تؤثر وتتأثّر وتُعطي وتأخذ. والعربيّة استطاعت منذ أقدم العصور أن تستوعب ما داخلها من لفظٍ غريب، وتُخضعه سماعيًّا لنظامها اللغويّ وأبنيتها اللفظيّة، حتى قبل أن تتقعّد هذه الأبنية وتتقونّن، أي قبل أن يضع اللغويّون القواعد النحويّة والصرفيّة له، وما لم يتمكّنوا من ابتداعِ قاعدةٍ صرفيّة له، قالوا إنّه  سماعيّ، وما لم يحدوا له مثيلا في أبنيةِ العربية قالوا إنّه دخيلٌ أو معرّب؛ وإذا تتبعنا تاريخ اللغة العربيّة ونحوَها وصرفها وقواعدَها وكلماتِها وتراكيبَها، فسوف نكتشف أنّ صرفها وقواعدها، وأساليبَ التراكيب والاشتقاق فيها ثابتةٌ لم تتغيّر على مدى ما نعلم بحسبِ الآثار المكتوبةِ التي وصلت إلينا، وكلّ ما حدث أنّ شجرتها الباسقة كانت تتخلّى عن أوراقها الصفراء والذابلة، وتستبدل بها أوراقًا جديدة، ونهرُها كان يتّسع من حيث الكلمات والمفردات، كلّما احتاجت إلى ذلك، من دون أن تتخلّى عن كيانها وأبنيتها وقوانينها، ولم تداخلها عوامل الانحلال والفَناء، أو التشويه والتحريف، وهو ما لم يحدث في اللغات الأخرى، التي دخلها التحريف والإضافة والحذف والإدماج والاختصار.

والملاحظ أنّ الألفاظ الفارسيّة الدخيلة جزمت الدكتورة عباس ، قد أُخضعت لمنهاج اللغة العربيّة، بتغيير بعض الأصوات من طريق حذف ما ليس من أصوات العربيّة، أو إلحاق وزن اللفظ بأحد أوزان العربيّة؛ نجد في القرآن الكثير من اللفظ الدخيل الذي كان مستخدمًا في العربيّة حين نزول الوحي السريانيّ والآراميّ منه حافظ على لفظه، لأنّ الأصل الساميّ واحد، أمّا الفارسيّ فقد جعلته ألسنة العرب عربيًّا بعد أن استبدلت ببعض حروفه حروفَها.

وقالت الدكتورة عباس "من الألفاظ التي أخذوها من الآراميّة والسريانيّة، بحكم مجاورتهم لليهود وسواهم من أصحاب الملك الألفاظ " قرأ، كتب، كتاب، تفسير، تلميذ، فرقان، فَيّوم، زنديق، تلا "، أمّا لفظة قرأ فقد استخدمها العرَب حين عَرَفوها بمعنًى غير معنى التلاوة، فكانوا يقولون: هذه الناقة لم "تقرأ سلًى قط"، يقصدون أنّها لم تحمل ملقوحًا ولم تلد ولدًا، ومنه قول عمرو بن كلثوم: "هجان اللون لم تقرأ جنينا"، في حين أنّ الفعل قرأ استُخدم في القرآن بمعناه الأصلي أي "تلا"، كذلك فإنّ الألفاظ الواردة في القرآن على وزن فعلان، صيغتُها آراميّة.

ما يمكن أن نلاحظه بالنسبة إلى المصطلحات التي استُخدمت في الترجمة في العصر العباسيّ،  قالت الدكتورة عباس هي أنّ ما تُرجِم مباشرةً من الفارسيّة بالعربيّة، بحث المترجمون عن معادله العربيّ كما لاحظنا بالنسبة إلى عناوين الكتب التي ذكرناها، أو أنهم عرّبوا اللفظة الأجنبيّة نفسها قبل أن يُدركوا أنّ لديهم لفظةً معادلةً لها، كما جرى بالنسبة إلى لفظة "فيلوزوفيا" أو "فيلوصوفيا" اليونانيّة التي عُرّبت "فلسفة"، وخضعت لنظام الاشتقاق العربيّ، علمًا أن لفظة "الحكمة" كان يمكن أن تكون معادلاً مناسبًا لها.. في كلّ الأحوال إنّ الأطوار المتعدّدة التي مرّت بها حركة ترجمة الفلسفة في القرنين الثالث والرابع الهجريّين، إنّما تعبّر عن التخبط الذي رافق هذه العمليّة في المرحلة الأولى، لا سيّما أنّ ترجمة الفلسفة كانت تتمّ من اليونانيّة إلى السريانيّة فالعربيّة، فضلاً عن التأثير السلبي لضعف سليقة المترجمين السريان باللسان العربيّ، وتجاهل مضمون العقيدة الإسلاميّة، أمّا المرحلة الثانية أو الطور الثاني من أطوار الترجمة فيتمثّل بحركة تنقيح النقول الواسعة التي دخل فيها بعض المترجمين وفلاسفة الإسلام، حيث إنهم قاموا بإصلاحها بما يتلاءم، على قدر الإمكان ومقتضيات مجال التداول الإسلاميّ العربيّ؛ وبات بمقدور المترجمين أن يصحّحوا الكتب التي ترجمها من سبقهم، كما ذكر حنين بن اسحق أنه حين ترجم كتاب جالينوس في علم بقراط بالتشريح، هذ الكتاب الذي كان أيوب الرهاوي قد ترجمه من قبل، بالغ هو (أي حنين)، في تلخيصه، وقال بشأن كتاب تشريح آلات الصوت المنسوب إلى جالينوس، إنّه لخّصه بأجود ما أمكنه...

لقد كان الغالب على الترجمة العربيّة للفلسفة اليونانيّة اشارت  الدكتورة عباس ، أنّ لغات مختلفة (السريانيّة والفارسيّة) توسطّت فيها توسّطًا أثّر تأثيرًا سيّئًا في العلم بمضمون هذه الفلسفة: أوّلاً التوسط السريانيّ الذي استند إلى الاشتراك في الأصول اللغويّة التي تجمع بين اللسان العربيّ واللسان السرياني، فضلاً عن أنّ اللسان السرياني كان قد حصّل بفضل سبقِه إلى ممارسة النقل على عدّة إصطلاحيّة وحصيلة تركيبيّه تفيدان اللسان العربيّ في إنشاء لغة فلسفيّة تقنيّة خاصّة به لما بين اللسانين من تقارب في الأصول... كما أنّ اللغة الفارسيّة هي الأخرى توسّطت في نقل الفلسفة اليونانيّة إلى العربيّة، وإن كانت سعة هذا التوسّط أقلّ بكثير من سعة نظيره السرياني، فقد أوردت بعض المصادر أنّ ترجمات جزءٍ من كتب المنطق، مثل كتاب المقولات وكتاب العبارة ، وكتاب التحليلات والمدخل إلى المنطق، تمّت من الفارسيّة بالعربيّة، فمعلوم أن جملة من الكتب الفلسفيّة اليونانيّة نُقلت إلى الفارسيّة وعملت على تكوين روح التفلسف بين الفرس، نجد آثارها في المصطلحات التي تمّ تعريبها مثل الجوهر "گوهر"، غير أنّ هذا النقل الفارسيّ لم يثبت حصوله رأسًا من اليونانيّة، بل يجوز أن تكون اللغة السريانيّة قد توسّطت فيه، حتّى وإن كان هنالك من نقل من اليونانيّة إلى العربيّة مباشرة، فمن غير المستبعد أن يكون قد استعان بالنقول السريانيّة التي تدخل في المجال العلمي للنصّ الأصلي الذي يباشر نقله إلى العربيّة، سواء  سبق أن ترجمها هو بنفسه أو ترجمها غيره، فيحاكي أشكالها وطرائقها ويستمدّ من مصطلحاتها وتراكيبها، لا سيّما وأنّ الحاجة ماسّة إلى الاستفادة من احتكاك اللغة السريانيّة الطويل باللغة اليونانيّة، هذا الاحتكاك الذي أثمر في ما بعد لغةً تقنيّةً لا يمكن إلاّ أن تنتفع بالنسج على منوالها اللغة العربيّة، التي تشارك السريانيّة في بعض خصائص بناها اللسانيّة

إنّ مراجعة سريعة لـمعجم البلدان مثلاً تعطينا فكرة عن الأسماء الفارسيّة المعرّبة التي أُطلقت على المدن الإيرانيّة بتبديلٍ بسيط في بعض حروفها، كما أنّ بعض المدن في العراق اكتسبت أسماء فارسيّة معرّبة، وقد عرّب العرب المئات من أسماء البلدان ومنها مدائن كسرى السبع التي فُتحت أيّام عمر بن الخطاب (رض)، مثلاً عرّبوا "توسفون" "الطيسفون"، و"هنبوشابور" "جنديسابور"، و"سگستان" صارت "سجبستان"، و"شيروان" صارت "سيروان"، و"گرگان" صارت "جرجان".

أما "انو شيروان" فقد صار اسمه "انو شِروان"، و"بهرام گور" صار "بهرام جور"، و"شابور" صار "سابور"، و"كاوْوَس" صار "قابوس"، و"خسرو" صار "كسرى" و"يزد گرد" صار "يزدجرد"."

ومن المصطلحات الموسيقيّة التي كان بعضها قد ورد في شعر الأعشى، وتكرّر ورودها في العصر العبّاسي، "البَرْبط"، وهو تعريب "بَرْبت"، و"الصّنج" معرّب "سنج"، أو "چنگ" و"الطَّنبور" و"الطّنبار" معرّب "تنبور" وأصلها "دُنَه بَرَه" إليَة الحمل على سبيل التشبيه، و"السيكاه" لحن موسيقي هو في الفارسيّة "سِه گاه"، و"الصُرناية" معرّب "سُرنا"، و"الكمنجة" معرّب "كمانچه".

 بعد ذلك تحدث الدكتور  احسان بن صادق اللواتي  رئيس قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة السلطان قابوس  في سلطنة عمان

 عن "التأثير والتأثر المتبادلان بين العربية والفارسية في مجال العلوم البلاغية"    فأشار الى

ان دراسته تسعى الى  مقاربة علاقات التأثير والتأثر بين المصادر البلاغية المكتوبة باللغة العربية ومثيلاتها المكتوبة باللغة الفارسية، بغيةَ الوصول إلى ما هو الحق في هذا المجال الذي لم يلقَ من الباحثين المعاصرين العناية التي يستحقها، فكانت نظرة معظمهم نظرة عجلى مكتفية بالإشارة إلى اعتماد المصادر البلاغية الفارسية اعتماداً كاملاً على العربية ، دونما برهنة كافية ، ودونما حديث عن إفادة المصادر البلاغية العربية من الفارسية . والدراسة ينتظمها محوران أساسيان هما : تأثير البلاغة العربية في البلاغة الفارسية ، وتأثير البلاغة الفارسية في البلاغة العربية.

تأثير البلاغة العربية في البلاغة الفارسية: 1-

ليست قضية وجود هذا التأثير استنتاجاً توصّل إليه الدارسون المعاصرون ، فقد حمل أول مصدر بلاغي فارسي واصل إلينا عنواناً له دلالته الكبيرة في هذا الصدد :" ترجمان البلاغة "، ولم يقتصر الرادوياني ، مؤلف الكتاب ، على دلالة العنوان حتى صرح في المقدمة بأنه يهدف إلى" نقل أجناس البلاغة من العربية إلى الفارسية " . وعلى ما في هذا التصريح من  دلالة ظاهرة على افتقاد الهوية الفارسية المميزة ، فإن من المناسب ألآً نتسرع في التمسك بهذا الظاهر قبل أن نصل في البحث إلى مرفأ . المهم الآن هو تسليط بعض الضوء على ما في هذا الكتاب وغيره من المؤلفات البلاغية الفارسية من وجوه تأثر بالمصادر العربية.

أما الدكتورة  انسية خزعلي عضو الهيئة التدريسية في جامعة الزهراء "ع"  في  ايران فتحدثت عن "الحلقة الحضارية بين اللغتين العربية والفارسية " فنقلت بعض الذكريات من المحقق الإيراني الشهير الدكتور جعفر شهيدي حول سفره إلى القاهرة حيث يقول: "عندما شاركت في المؤتمر الإسلامي باعتباري ممثلًا لإيران حيث شارك فيه اكثر من مئة ممثل لثلاثة وخمسين دولة من الدول والقوميات المختلفة من البلدان الإسلامية مثل إيران، باكستان، وسوريا، وغير الإسلامية مثل أمريكا اللاتينية، روسيا واليابان. وهؤلاء الممثلون لم يكونوا مختلفين في اللغة والآداب فحسب بل كانوا مختلفين في لون البشرة أيضًا".

أضافت الدكتورة  انسية خزعلي "لكن عندما يتم البحث حول أن الحضارة اخذت أصولها من المعارف الإسلامية، لم نكن نرى أي اختلاف في طريقة تفكير الأفريقي الأسود أو البني أو الآسيوي الأبيض والأوروبي. فالنظرة العالمية للإسلام كانت عند الجميع والكل يدرك قيمة الفكر الإنساني والحضارة الموحدة تحت راية القيم الإسلامية. بسبب هذه النظرة الحضارية الموحدة انتشرت اللغة العربية وشاعت كمًّا وكيفًا بين العرب ما بعد ظهور الإسلام خاصةً في عصر ازدهار العلم والحضارة الإسلامية. وكان الإيرانيون ينظرون إلى هذه اللغة نظرة تقديس وإجلال كما يرون فيها الحضارة والثقافة. والشيء الواضح في تاريخ إيران وبالأخص الأدب الإيراني هو أن الإيرانيين استقبلوا الإسلام وجيش الإسلام رغبةً وطواعيةً منهم، وإلا فإن الظروف العسكرية والحربية كانت مهينةً لهم. ولذلك نرى اعتباراً من القرن الرابع وما بعده، وبعد حصول إيران على الاستقلال النسبي وبعده الاستقلال الكامل، أنها لم تكن لتمنع توسع اللغة العربية بل ساهمت في انتشارها وساعدت على تطور وازدهار الأدب العربي".

وختمت الدكتورة  انسية خزعلي  كلامها بقول للإمام الخميني الذي كتب في الصفحة الأولى من الكتب المدرسية:

(لا تقولوا إن اللغة العربية ليست لغتنا بل اللغة العربية لغتنا واللغة العربية هي لغة الإسلام والإسلام للجميع).

من جهتها الدكتورة  حنان الطاحون  مدرّسة في قسم اللغات الشرقية في كلية الآداب في جامعة القاهرة  في  مصر

 تكلمت على  واقع اللغة الفارسية في مصر؛ تعليمية اللغة الفارسية في جامعة القاهرة نموذجاً 

 فقالت :اللغة هي ظاهرة اجتماعية مهمة لدورها الملموس في الوحدة الفكرية بين الشعوب. اللغة العربية والفارسية هما جناحا الثقافة والحضارة الإسلامية يوثر أحدهما في الآخر ويتأثر به.

 اضافت الدكتورة  حنان الطاحون  نظرا للدور العظيم الذي قام به الإيرانيون في بناء الحضارة الإسلامية اهتمت جامعة القاهرة بتدريس اللغة الفارسية فبدأ تدريس تلك اللغة في عشرينيات القرن الماضي في قسم اللغة العربية ومن هذه الجامعة انتشر تدريس اللغة الفارسي في جميع الجامعات الحكومية المصرية.

جدير بالذكر أن الدكتورة حنان الطاحون اشارت الی ان تدريس اللغة الفارسية يتم في داخل الكلية في أقسام متعددة؛ قسم اللغة العربية، وقسم التاريخ، وقسم الفلسفة وأيضا خارج الكلية في كلية دار العلوم وكلية الآثار في جميع المراحل الدراسية (الليسانس والماجستير والدكتوراه).

ولا ننسى أن مجلة المركز العلمية واحدة من أهم المجلات العلمية في الشأن الإيراني والتي ينشر فيها الباحثون من داخل مصر وخارجها مقالاتهم وأبحاثهم.

ملحق بالمركز مكتبة ضخمة تضم أحدث الكتب والمجلات العلمية والدوريات الأدبية.

بعد ذلك كانت بدأت المدخلات واولها مع  الدكتور سمير ارشدي عضو اتحاد الكتاب والادباء العرب واستاذ ىمحاضر في جامعتي دمشق والكويت فاشار الى ان  الحديث عن التواصل الأدبي العربي والفارسي ذو شجون وشؤون فهو قصة تمتد لقرون متمادية لا يمكن اختصارها واختزالها في هذا الملتقى. مبادرة طيبة من المستشارية الثقافية التي جمعتنا بعد فراق وشوق لهؤلاء الزملاء والأدباء والشكر للأديب الدكتور عباس خامه يار صاحب المبادرات الشيقة.

ما أود أن أطرحه  اكد الدكتور سمير ارشدي هو أن التمازج والتلاقح الثقافي والأدبي بين العربية والفارسية لم يحصل لأي حضارتين أخريين بهذا المستوى من الاندماج على مر التاريخ. آلاف العلماء والمفكرين والأدباء هجروا مسقط رأسهم في شيراز وأصفهان ويزد وكاشان وشدوا الرحال إلى دمشق وحلب وبغداد ودرسوا في المدارس النظامية والمستنصرية وكتبوا وألفوا وأنجزوا العشرات من الأبحاث والكتب التي كوفئوا بوزنها من الذهب ولا تزال حتى يومنا هذا تدرس في بعض الجامعات الأوروبية. وصل الفاتحون العرب إلى تركيا والأندلس والصين وأوروبا لكن لم ينسجموا مع أي حضارةٍ كما التحموا مع الفارسية. ما هو الدافع الذي شجع هؤلاء على أن يتركوا ديارهم ويتواصلوا مع جيرانهم ويتعلموا لغتهم ويكتبوا بها أبحاثهم؟ وكيف نستعيد اليوم هذه الظاهرة ونحييها من جديد. العصر الذهبي للحضارة الإسلامية كان على اكتاف العلماء العرب والفرس وحينما افترقوا أفل نجم هذه الحضارة حيث تعرّب الفرس وتفرّس العرب حضاريًا.

المداخلة التالية كانت للدكتور  طوني الحاج  الذي شكر سعادة المستشار الثقافي د. عباس خامه يار على كل هذه الأعمال الثقافية، ووجّه تحية إلى د. دلال عباس ثم اشار ال ان   العلاقة بين اللغتين العربية والفارسية قديمة ، طبعاً الكل يعرف أن هذه العلاقة قديمة، وأنا تحدثت مخصوصاً عن العلاقة وأثر اللغة الفارسية على العامية اللبنانية. أقول أن العلاقة بين العامية اللبنانية واللغة الفارسية قديمة ترجع إلى زمن وجود الفرس القدماء في المنطقة العربية ككل وفي المنطقة اللبنانية، ثم عبر اللغة التركية، ثم عبر اللغة العربية الفصيحة نظراً لعلاقات التجاور والترابط بين العرب والإيرانيين القديمين. كما أن هناك علاقة مميزة بين لبنان وإيران، والعلاقة بين جبل عامل والرحلات التي قامت بين الطرفين. أركز على دور الرحالة الإيرانيين وما قامت به الرحلة الإيرانية من دور مهم نقلت الكثير من معاني الثقافة والحضارة والعادات والتقاليد إلى الشعوب التي مرت بها. يعني، كان الرحالون كما تعرفون والرحلة الفارسية، كانت تمر بالبلدان العربية ومنها إلى لبنان لتستقر أشهراً وأشهراً كثيرة في هذه المناطق حيث يحدث الكثير الكثير من العلاقات التجارية والإجتماعية والثقافية بين الرحالة وبين المقيمين.

بعدها تحدث  المستشار الثقافي الايراني في مسقط الدكتور  علي  موسوي زاده فقال:

"اشكركم بالفارسية اذ لا بد أن الحضور يجيدون الفارسية جيداً. اشكر المستشارية الثقافية كثيراً وسائر الزملاء لا سيما جناب الدكتور عباس خامه يار والذي كان أستاذي وأنا كنت ولازلت تلميذه. كذلك أوجه تحياتي لأصدقائي في عُمان منهم الدكتور اللواتي هذا الإنسان الشريف والطاهر القلب والمحب. أشكر الحضور جمعاً الدكتورة خزعلي والأصدقاء الذين سبق أن زاروا عمان مثل الدكتور أرشدي العزيز لكني لم أحظ بلقائه ان شاء الله نلقاه في أول فرصة ممكنة. أشكركم جميعاً الأساتذة الأفضل. ليست لديّ مداخلة بوجود كبار اساتذة اللغة الفارسية والأدب الفارسي والأدب العربي، لذا أردت فقط أن أوجه شكري".

وبعد حوارات متنوعة بين المشاركين والمحاضرين اختتم  المستشار الثقافي الايراني الدكتور عباس خامه يار الندوة بتوجيه الشكر للجميع , واعدا بتكرار هذه الندوات لما  فيه  تمتين التواصل بين العرب والايرانيين.

انتهى**1110

تعليقك

You are replying to: .