واشار عبدالباري عطوان في مقال نشرته صحيفة "راي اليوم" اليوم الثلاثاء الى اللقاء الثلاثي الذي جمع الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، مع بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، ومايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، عراب اتفاقات التطبيع في مدينة “نيوم” على الساحل الشّمالي للبحر الأحمر و قال فإن النفي “الخجول” الذي أصدره الأمير فصيل بن فرحان وزير الخارجية السعودي في تغريدة على حسابه على “التويتر” يظَل غير مقنع على الإطلاق.
واضاف صحيح أنّ مكتب نتنياهو رفض نفي أو تأكيد هذا الاجتماع، واكتفى بالقول “لا تعليق”، ولكنّ يؤاف غالانت، وزير التعليم الإسرائيلي، وعضو الوزارة الأمنيّة المُصغرة أكد هذا الاجتماع في حديث لإذاعة الجيش الإسرائيلي، وقال “إنه إنجاز حلم به أسلافنا، والإنجاز الرئيسي هو القبول الحار باسرائيل من قبل العالم السنّي، وإزالة العداء من جُذوره”. المُقدّمات السعوديّة تؤدي إلى النتائج التي نراها حاليّا ولاحقا، فالأمير بن سلمان الذي يقود مسيرة التطبيع السعودية، كان منذ أيامه الأولى في الحكم مؤيدا لصفقة القرن، والتقارب مع دولة الاحتِلال، ووظف مئات المِليارات من ثروات بلاده لدعم إدارة ترامب وصهره جاريد كوشنر، وخططهما لتطبيق هذه الصفقة، ومشاريع التطبيع والتهويد للقدس المحتلة، وضم معظم الضفة الغربية، وغور الأردن وهضبة الجولان.
و جاء في المقال: لم نسمع، أو نقرأ، تصريحا واحدا لولي العهد السعودي يدين الاحتِلال والاستيطان وتهويد القدس، وجرائم الحرب الإسرائيليّة في الضفة والقطاع، وشاهدنا المملكة العربية السعودية في عهد قيادته تفتح أجواءها للطائرات الإسرائيليّة، وتبارك اتفاقات التطبيع الإماراتيّة، والبحرينية والسودانية، وتَحذِف من المناهج الدراسيّة كل ما يمكِن أن يسِيء بشكل مباشر أو غير مُباشرٍ للكيان الإسرائيلي وعقيدته.
جميع استِطلاعات الرأي التي أجرِيت على مسألة التطبيع أكدت أن الغالبية الساحقة من الشعب السعودي تعارضه، تماما مثل جميع الشعوب العربية والإسلامية الأُخرى، وخاصة في مصر والأردن و الإمارات والبحرين، ولولا القمع وأساليب التّرهيب لشاهدنا هذه الشّعوب تخرج بالملايين في الشّوارع لمُعارضة سِياسات حكوماتها في هذا المضمار.
التّقارب التّطبيعي ومثلما علّمتنا تجارب سابقة يتم دائمًا بالتدرّج، وعبر التّسريبات المدروسة، والمعدة في مطابخ “البروبغاندا” الإسرائيليّة والأمريكيّة، ولا نَستغرِب أن يكون هناك اتفاق بكشف الإعلام الإسرائيلي عن اللقاء الثلاثي التطبيعي في “نيوم” وزيارة نتنياهو لأرض الحرمين الطّاهرة بصُحبة رئيس الموساد، ثم يأتي النّفي السّعودي “المغمغم”، وفي تغريدة لوزير الخارجية الذي نشك بمعرفته بهذا اللقاء مسبقًا، وإلا لماذا لم تعقد الحكومة السعودية مؤتمرًا صحافيا عالميا، لنفي هذه التقارير الإسرائيليّة؟
المملكة العربية السعودية ستكون الخاسِر الأكبر لخطوات التطبيع هذه مع “إسرائيل” لانها ستفقِد هيبتها وزعامتها للعالم الإسلامي، أو ما تبقّى منها، والخطوة الأولى في هذا الصّدد حصر هذه الزّعامة في العالم السنّي فقط، ووقوفها في خندق العدوّ الإسرائيلي في مُواجهته للشقيق الشّيعي المسلم الذي تتم عملية مدروسة لشيطنته، مُقابل تبييض صفحة من يحتل المسجد الأقصى، ويقوّض أساساته تمهيدًا لهدمه وإقامة هيكل سليمان المزعوم على أنقاضِه.
***
رعاية الأسرة الحاكمة السعوديّة للحرمين الشريفين في مكّة المكرّمة والمدينة المنورة، وإشرافها على مواسم الحج والعمرة دون أيّ مُنازع بالتّالي، ستُواجِه أخطارًا جديّة وربما تمرّد مِلياري مسلم في مُختلف أنحاء العالم، لأنّه سيكون من الصّعب على هؤلاء تقبّل أن يكون خادم الحرمين الشريفين صديقًا وحليفا لمن يَحتلّون المسجد الأقصى ويذبحون أشقاءهم في فلسطين المُحتلّة، ويثيرون الفِتن الطائفيّة لتَقسيم العالم الإسلامي.
ربما يعتقد بعض المهرولين إلى التّطبيع هذه الأيّام أنّ الأمّة العربيّة تعيش أسوأ وأضعف أيّامها، وأن هذه هي فرصتهم لإدارة الظهر للثوابت الأخلاقية والدينية والقضايا الوطنية العربية والإسلامية، والاستظلال بمظلة الحماية الإسرائيلية، ولذلك يسرحون ويمرحون دون خوف أو قلق.
نقول لهؤلاء، ومن يسير على نهجهم، إنهم وقعوا في أكبر مصيدة للابتِزاز في العالم، لأنّهم لا يعرفون الإسرائيليين مثلما تعرفهم الشعوب التي حاربتهم وانتصرت عليهم في مِصر سورية ولبنان والأردن وفلسطين المحتلة، في حروب امتدت لأكثر من 50 عاما لم تنتصر فيها إسرائيل مطلقا، وبالتّحديد منذ عام 1967، فالمرحلة الحالية تظل مرحلة عابرة، ولن تطول.. وطبعوا كيفما شئتم.. وستندمون أشدّ الندم.. والأيام بيننا.
انتهى** 1453
تعليقك