سرديات الصهاينة ... من احتلال ارض الى احتلال تاريخ أمة

٢٣‏/١٢‏/٢٠٢٣، ١٠:٥٧ ص
رمز الخبر: 85330229
رباب ابراهيم مصطفى-مراسلة وكالة إرنا
سرديات الصهاينة  ... من احتلال ارض الى احتلال تاريخ أمة

طهران/23 كانون الاول/ديسمبر/إرنا- يملك الكيان العبري ثلاثة أجهزة استخبارية على رأس دائرة صنع القرار والتغييرات في رأس هرم هذا الكيان، وهي: شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (آمان) والموساد (المخابرات الخارجية) والشاباك (الأمن الداخلي).

آمان ودورها في السرد عند الصهاينة

وشعبة الاستخبارات العسكرية "آمان" وهو الاختصار الشائع لاسمها العبري ،هي تابعة لرئاسة الاركان الاسرائيلية وتعد أكبر الأجهزة الاستخبارية وأكثرها كلفة لموازنة الدولة. وحسب القانون الإسرائيلي فإن جهاز آمان مسؤول بشكل أساسي عن تزويد الحكومة بالتقييمات الإستراتيجية التي على أساسها تُصاغ السياسات العامة للدولة، بالذات على صعيد الصراع مع الأطراف العربية. وتعتمد آمان على التقنيات المتقدمة إلى جانب المصادر البشرية في الحصول على معلوماتها الاستخبارية التي توظفها في صياغة تقييماتها الإستراتيجية.

تحتوي آمان على العديد من الوحدات، احداها وحدة الحرب النفسية التي يرأسها عميد في هيئة الاركان في الجيش الاسرائيلي مهمتها الاساسية صياغة السردية او مايسمى بالرواية والتي لا تقول الحقيقة بالضرورة انما تقدم الاحداث بناءً على فن وعلم السرد وتستخدمه كسلاح ضد الآخر.

اهمية السرد لدى "اسرائيل"

ولأن اسرائيل مدركة لأهمية السرد فإنها لا تسمح للجمهور باستخلاص معناه الخاص بل تُخضعه بطرق مباشرة وغير مباشرة تحت تأثير وسيطرة ما ترويه، والذي يجعل لمحتوى السرد معنى وهوية ومضمونا وبناء من خلال عمليات مدروسة وغير عشوائية.

لذلك تقوم وحدة امان بسرد روايات ترافق اي حرب تخوضها اسرائيل متطرقة الى ادق تفاصيل الحرب من اسبابها، من هو المحق و المخطىء ،اهم احداثها ،ماهي نتائجها ،وماهي تداعياتها.

ومما يزيد الامر خطورة فإن السرديات هي من تكتب تاريخ الصراعات بين الشعوب، لذلك يتم دمج قوة السرد بالهدف الاستراتيجي في ترسانة التفكير الاستراتيجي للأمن الوطني والقومي للأمم، وإدراج مصطلح «الحرب السردية» في قاموس التخطيط الاستراتيجي ، بما معناه انه اذا سادت سردية اي طرف من اطراف الحرب عبر الزمن فإن هذا الطرف قد ربح الحرب عمليا حتى لو ان الحقيقة مغايرة تماما لها.

لا يعد السرد محايدا أبدا، وهو ذو طبيعة استراتيجية

سرد المعلومات هو اشبه بالموت البطيء لانه يبدأ بمقدمة وبداية ومنتصف طريق وبنهاية ليست بالضرورة ان تكون لحظية انما قد تمتد لسنوات عديدة. وهذا الموت يتميز بأنه مفعم بالألوان والصور والحراك في صراع بين معنى المعلومات التي يرغب الخصم في أن يتبناها ويستوعبها الجمهور المستهدف والمعنى الذي ينوي تحقيقه في النهاية. ولهذا لا يعد السرد محايدا أبدا وهو ذو طبيعة استراتيجية، وإن كان يبدو تافها للوهلة الأولى أحيانا حيث تقدم الأحداث والأفعال والشخصيات والمعاني الضمنية بطريقة معينة لغرض معين،الا انه يقود للإقناع وتحديد الهوية التي سيتبناها المتلقي وتلصق في ذهنه بل وتؤثر في مشاعره وتوجهاته وميوله.

الجمهور وسيلة لنشر السرديات في عصر الاعلام الرقمي

وقد كان الإعلام التقليدي وكل وسائل الترفيه والأدب والفنون والرياضة جزءا من السرد المهيمن على الثقافات الواقعة تحت الاحتلال والاستعمار الناعم، حتى جاء دور الاعلام الرقمي والتطور السريع للتكنولوجيا والإنترنت ليتحول الجمهور كوسيلة لنشر السرد واستقباله في نفس الوقت، وليتحولوا لموظفي علاقات عامة وتسويق لصور ذهنية لا تغادر الذاكرة بل تحل محل الذاكرة الشعبية.

وبدورها تضيف الروايات الرقمية إمكانيات جديدة لفن الحرب السردية، وتستخدم الدول السرديات الرقمية للتأثير على الدول المنافسة أو حتى هزيمتها وتقسيم الأمم من الداخل وجعل شعوبها قوىً متناحرة، حيث لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا أكثر حسما في زعزعة استقرار الحكومات والمجتمعات وإجبارها على التغيير السياسي والاجتماعي والثقافي.

سرديات الصهاينة، مدى حقيقتها وابعادها

تنبع سرديات الصهاينة من خارج التاريخ، ولها مصب متخيّل قد يكون خارج هذا العالم، لأن مرجعياتها غيبية وقائمة على وعدين، أحدهما أرضي تحقق وهو وعد بلفور قبل قرن، والآخر ملفق وله صلة بما يسمى أرض الميعاد، وهي أرض لا حدود لها لأنها مطاطة تضيق أو تتسع تبعا لميزان القوى، فما كان أرض الميعاد حتى عام 1967 هو المحتل من فلسطين عام 1948، ولو استطاعت أن تتمدد الى ما هو أبعد لاتسعت وتمددت معها أرض الميعاد.

ولأن اسرائيل كدولة لا تاريخ لها ،تسعى السلطات الاسرائيلية الى خلق هوية و تاريخ خاص بها عبروسائل متعددة كصياغة السرديات الملفقة وايلاء المتاحف الوطنية اهمية عظمى بحيث انشأت 120 متحف إسرائيلي داخل الاراضي الفلسطينية  يتحدثون عن تاريخ "اسرائيل" من الهولوكوست الى محطات مختلفة من العام 1948 و 1956و 1967 و 1973 بإستخدامها وثائقيات وانصاب تذكارية وافلام ومسلسلات ومقطوعات موسيقية وشعر وروايات ، وكل ذلك  تاريخ مختلق بالكامل ويتم تسويقه بالعالم على انه واقع حقيقي.

سردية بيع الفلسطينيين اراضيهم مابين 1937- 1948

اذا قرأنا ما بين سطور الاحداث في وقتنا الحاضر ، نجد بأن الحرب بيننا وبين اسرائيل اليوم بما تمثله اسرائيل من امريكا واستعمار واستبداد هي بأبعادها الجوهرية حرب سرديات. واذا عدنا بالتاريخ الى الوراء  وبالخصوص الى سردية "بيع الفلسطينيين اراضيهم" للجمعيات اليهودية والبريطانية فهي جزء من السردية الاسرائيلية انذاك والتي استمرت تداعياتها الى يومنا هذا .

وعلى الرغم من اننا صادقون والحق معنا الا انه من المؤسف والمحزن ان ذاكرتنا ضعيفة وتقريبا اننا لا نولي اهتماما كيف ينكتب التاريخ وكيف سينقل للاجيال بعدنا، وبالمقابل عدونا الاسرائيلي هو مجموعة مرتزقة معتدية وكاذبة و ذاكرتها قوية جدا وتولي كتب التاريخ اهتماما كبيرا وان امكن القول اكثر من الحرب نفسها.

وقد استطاعت "اسرائيل" على مدار العقود الفائتة ان تعيد صياغة التاريخ كما يحلو لها ،ففي السردية الصهيونية لزمن النكبة لم يجبر أحد الفلسطينيين على ترك منازلهم والرحيل،بل هم  من باعوا ارضهم للصهاينة ونزحوا من تلقاء أنفسهم بناء على اقتراح من الجيوش العربية قبيل حرب 1948 كما لم يجبرهم أحد على عدم العودة بعد انتهاء الحرب، فالبطبع "اسرائيل" تردد هذه الاكاذيب بأريحية شديدة تجعلك تشعر وكأن العيش في المخيمات على حدود الدول الأخرى كان خيارا فلسطينيا.

وبالتأكيد لن يخبرنا الاحتلال الاسرائيلي عن عشرات المجازر والابادة الجماعية التي ارتكبت في حق أصحاب الأرض الفلسطينيين بين عامي (1937-1948)،ولترى كم ان سرديته محكمة التفاصيل ومستدامة فهو اعطى العذر للدفاع عن نفسه لاحقا في السنوات المقبلة حين اختلق ان الفلسطينيين باعوا ارضهم واسقط الحق عنهم في استعادتها، فهل من يبيع شيئا له الحق في استرجاعه؟

سرديات لأحداث ضمن عملية طوفان الاقصى

وفي وقتنا الحالي، وبالتزامن مع عدوانه الوحشي على غزة فإن الاحتلال الاسرائيلي يسعى جاهدا لخلق سرديات ملفقة علّها تغير من واقعه المرير في الميدان وترمم جزءا من فشله كما يعتقد، ومن ابرز هذه السرديات  سردية مستشفى الشفاء التي روج لها الاحتلال على انها حصن حصين لحماس .

وكذلك سردية مساعدة مسنّا فلسطينيا حيث روّج الاحتلال الإسرائيلي لصورة يساعد فيها جنده في شمال قطاع غزة مسنا للنزوح من شمال قطاع غزة قبل أن يقتله برصاص في الظهر في عملية إعدام ميداني بدم بارد .

وغيرها الكثير من السرديات المزيفة الاخرى التي اختلقها الصهاينة في محاولات بائسة بحثا لهم عن نصرٍ وهمي سرعان ما انكشفت وهمية الدلائل ومحاولة الاحتلال الحثيثة لصناعة مشاهد هذه السرديات.

دورنا في صياغة سرديات تاريخية توثق الواقع

 هذا هو واقع السرديات في الحروب كل طرف يسعى لأن تكون سرديته هي السائدة ، فمثلا رسالة الاسيرة الاسرائيلية "اميليا وابنتها دانيال" لا تعتبر مجرد رسالة عابرة فهي اذا ما قرأنا ابعادها تعد رسالة مهمة جدا  لأنها قد تسقط انظمة، لكن نحن نتلاقها بكل عفوية ونتداولها بسرور عبر المواقع الاجتماعية لمدة معينة ومن ثم ننساها لان امور اخرى استجدت وحلت مكانها ، الا انه وفي المقابل عدونا يقوم بدراستها وفبركتها ليقوم بإعداد سيناريو استراتيجي لها للسنوات القادمة.

او مثلا نفرح بمشاهد استقبال الاسرى الفلسطينيين في الضفة الغربية لمدة معينة ، بينما في الوقت الذي يدأب عدونا على وضع خطة محكمة لسنوات عديدة قادمة حول طوفان الاقصى وكيف سيتحدث التاريخ عن احداثه حتى لو كانت احداثا مختلقة ومزيفة.

وعليه ، وامام هذا الحرص والاهتمام الجاد من العدو الصهيوني لصياغة سردياته الخاصة، المطلوب منا وبكل بساطة بناء سرديتنا التي تستطيع الاستمرار بشكل ثابت ولسنوات عديدة مقبلة ونجعل العالم كله يصدقها ويتداولها.

فمثلا يجب ان يعرف العالم ان الحرب على غزة لم تبدأ بأحداث 7 اكتبر وبأن عملية طوفان الاقصى التي قامت بها حماس هي من اشعلت شرارتها،  انما يجب تسليط الضوء على حقيقة معتم عليها الا وهي ان هذه الحرب هي انفجار لظلم واستبداد متراكم على مر عشرات السنين سببه الاحتلال الاسرائيلي والاستعمار الامريكي واستبدادهما وبريطانيا والحكام المتواطئين .

يجب ان نكون جنود معركة "جهاد التبيين" ليعرف العالم اجمع قصة اهل غزة الذين قتلوا ظلما وعدوانا فهم ليسوا بأرقام بل هم اشخاص لديهم اسماء وحياة واحلام وطموحات قضت عليها الة الحرب الصيونية، وان نتغنى بالاداء الاخلاقي التاريخي للمقاومة في تعاملها مع الاسرى الصهاينة.

ويجب ان نروي بطولات وتضحيات مقاومة غزة التي واجهت اشرس واجرم الة حربية في التاريخ مدعومة من عتاد حربي جوي بحري بري و قدرات تجسسية وعسكرية لا حدود لها ، واظهار حقيقة الخسائر الهائلة  التي تكبدها الصهاينة وحطمت هيبة ومكانة كيان الاحتلال امام العالم.

ولأننا مسؤولون امام الاجيال القادمة يجب ان نتحمل مسؤوليتنا بجدية اكبر وان نوثق كل ما يحدث بتاريخه واحداثه واماكنه واصواته وصوره وبكل وسيلة متاحة لنا حسب اختصاصاتنا وهو سهل في عصر الثورة الرقمية ،كل ذلك كي يصنع دم الشهداء نقطة عطف وتحول في هذا المجال والا سيذهب هباء مثل باقي الاحداث منذ 1948 حتى الان والتي لا نتذكرها الا في المناسبات والخطابات .

انتهى**ر.م

تعليقك

You are replying to: .