توحيد الموقف الغربي تجاه الملف النووي الايراني اصبح حلما صعب المنال

طهران/8 حزيران/يونيو/ارنا- على الرغم من ان الغرب ينتهج سياسة توحيد مواقفه تجاه التعامل مع الملف النووي الايراني على مدى عقدين معتمدا بعض المؤسسات الدولية كأداة اساسية للضغط على ايران في تحديه لبرنامجها النووي السلمي، الا انه فشل في تحقيق اهدافه امام المواقف الواضحة للصين وروسيا كعضوين دائمين في مجلس الأمن.

لأكثر من عقدين من الزمن، اعتمد الغرب وخاصة امريكا والترويكا الاوروبية سياسة الضغط على ايران في برنامجها النووي السلمي، وتمثلت احدى السياسات الاساسية في خلق اقصى قدر من الاجماع العالمي لتحقيق هذا الضغط على ايران .

ويمكن القول ان هذه السياسة في وقت ما في ثمانينيات القرن الـ21 ونظرا لثقة روسيا في الغرب وسعيها للتقرب منه وخفض التصعيد وموقف الصين الدفاعي والهارب من التوتر، أدى ذلك الى الموافقة على ثلاثة قرارات ضد البرنامج النووي الايراني السلمي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

والآن، و بعد مرور أكثر من عقدين من الزمن منذ بداية تحدي الغرب لإيران بشأن القضية النووية، ومرور 14 عاما على صدور قرار مجلس الأمن رقم 1929، أعربت كل من روسيا والصين علنا عن معارضتهما لتجاوزات الغرب في خطة العمل المشترك الشاملة وغيرها من القضايا المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني.

لذا ، فإن تغيير سياسة الصين وروسيا في عدم مرافقة الغرب تخضع قبل كل شيء الى عاملين، الاول وهو السلوك العدائي للغرب تجاه القوى غير الغربية مثل هاتين الدولتين، اما العامل الثاني فهو السياسة الخارجية والدبلوماسية الذكية لحكومة الشهيد اية الله رئيسي والتي عملت على تطوير وتنظيم علاقات إيران مع الصين وروسيا في نفس الوقت. 

وبالتالي ، فإن هذا النموذج من السياسة الخارجية يسمح لإيران في الوقت نفسه من تطوير العلاقات والتحالفات مع القوى الناشئة والمعاد تنظيمها مثل الصين وروسيا، وأيضا المحافظة على استقلالها عنها وتحدد وتتخذ خطوة بناء على كل إجراء تتخذه.

خداع الغرب وعدائه في تعامله مع روسيا والصين

ومن العوامل التي أثرت في تغيير سلوك روسيا والصين وعدم مجاراتها الموقف الغربي في القضايا المتعلقة بإيران، اسلوب التعاطي الامريكي تجاه روسيا والصين خلال سنوات ما بعد الحرب الباردة وخاصة في العقدين الأخيرين ، وايضا اتجاهات القوة العالمية في السنوات الأخيرة وسوء نية الغرب وعداوته وخداعه ضد هاتين الدولتين.

واذا ما اردنا قراءة السلوك الروسي ، نلاحظ ان روسيا بذلت جهودا كبيرة لتهدئة التوتر مع الولايات المتحدة والاقتراب من الغرب. وخاصة في فترة الـ15 عاما التي تلت انهيار الاتحاد السوفييتي وفي عهد يلتسين وكذلك خلال الفترة الأولى من رئاسة بوتين ثم رئاسة ديمتري ميدفيديف.

حتى أن روسيا حاولت خلال هذه الفترة الانضمام إلى البرامج والمشاريع الفرعية لمنظمة حلف شمال الأطلسي. ونجحت في عام 1994من الانضمام الى برنامج الشراكة من أجل السلام التابع لهذه المنظمة، وايضا في وقت لاحق في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تم إبرام العديد من اتفاقيات التعاون بين روسيا وحلف شمال الأطلسي.

وهكذا، حتى نهاية العقد الاخير من القرن الـ20 وبداية العقد الأول من القرن الـ21 واصلت روسيا جهودها للتقرب من الغرب، لكن مع اندلاع الحرب بين روسيا وجورجيا عام 2008، وكذلك القضايا والمعضلات بين روسيا وأوكرانيا فيما يتعلق بقضية المنحدرين من أصل روسي في شرق أوكرانيا، والتي أدت فيما بعد إلى الصراع بين روسيا وأوكرانيا على شبه جزيرة القرم في عام 2014، أشعلت الصراع تدريجيا بين روسيا والغرب.

وبعد ذلك، وبحسب"سبوتنيك"، فقد أشار فلاديمير بوتين ، في هذا السياق في خطاب ألقاه في تشرين الثاني /نوفمبر 2023 ،الى خطأ البلاد في التقرب من الغرب خلال السنوات التي تلت انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة ،قائلا:"في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، اعتقدنا بسذاجة أن العالم قد تغير ولم يعد هناك أي مواجهة أيديولوجية ولم يعد هناك سبب للصراع بين الغرب وروسيا".

واضاف الرئيس الروسي :"كانت لدي فكرة ساذجة مفادها أن العالم، وخاصة ما يسمى بالعالم المتحضر، يفهم ما حدث لروسيا التي أصبحت دولة مختلفة تماما، والذي حدث أنه لم تعد هناك مواجهة أيديولوجية ولم يعد هناك أساس للمواجهة".

وتابع بوتين:"والحقيقة هي أنني لاحقا اصبحت مقتنعا بنسبة 100٪  أنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بأن الغرب يتحلون بالصبر وينظرون انهيار روسيا أيضا".

واوضح بوتين بأن ذلك يعتمد على رأي السياسي الأمريكي بريجنسكي الذي قال:" إن الغرب يريد تدمير روسيا وتقسيمها إلى أجزاء وإخضاعها واستخدام مواردها".

توحيد الموقف الغربي تجاه الملف النووي الايراني اصبح حلما صعب المنال

وبالتالي، أدت عملية تغيير نظرة روسيا تجاه الغرب الى جانب الأعمال العدائية الأمريكية والمؤامرات العديدة ضد روسيا، خاصة في قضية أوكرانيا، الى تغيير عام في سياسة روسيا الخارجية من تعريف نفسها سابقا كدولة غربية الى السياسة الأوراسية، وكذلك إعادة تعريف روسيا كقوة عظمى غير غربية في اطار التحالفات الجديدة الناشئة.

لذلك، كان لهذا الامر أثر كبير على عدم تعاون روسيا مع الغرب في القضايا المتعلقة بإيران.

الصين وسياستها تجاه الغرب

نأتي الى مناقشة سياسة الصين تجاه الغرب، وعلى الرغم من أنها منذ زمن دنغ شياو بينغ وبعد دبلوماسية بينج بونج مع الولايات المتحدة، اعتمدت الصين سياسة التهدئة مع الغرب في عهد قادة الصين اللاحقين .ولكن والى جانب سياسة التهدئة هذه، كانت الصين دائما تحتفظ بشكوكها تجاه الغرب في عقلها الباطني.

وهكذا ، وعلى مدى أكثر من 3 عقود من العلاقات مع الغرب حافظت الصين دائما على سياستها الدفاعية وحاولت تجنب التوتر مع الغرب، لكن مواقف الرؤساء الأمريكيين تجاه الصين وأفكار الغرب بشأن قضية تايوان ومشاكل الصين مع اليابان وبعض دول شرق آسيا وجنوب آسيا الأخرى، خاصة منذ رئاسة شي جين بينغ، وضعت تدريجيا سياسة المنافسة وعدم الانحياز مع الغرب على جدول أعمالها.

وعلى الرغم من العلاقة الاقتصادية والتجارية الضخمة بين الصين والولايات المتحدة، ووجود ما يقرب من 300 ألف طالب صيني في امريكا في بداية عام 2024، والترابط القوي بين الصين والولايات المتحدة لأكثر من 4 عقود العلاقة بين الصين والغرب،فإن ذلك فشل في تغيير سلوك الغرب تجاه الدول غير الغربية مثل الصين، ولم يؤدي الى التخلي عن سياسة العداء والمنافسة مع الصين في أمريكا وأوروبا.

وعليه،فان المواقف المناهضة للصين في خطاب أوباما، وحرب الرسوم الجمركية بين الصين والولايات المتحدة في عهد ترامب، والعداء اللفظي بين هذين البلدين في عهد بايدن، دليل على توتر العلاقة بين الغرب والصين رغم سعي الصين المستمر للتهرب من التوتر مع الغرب.

كما كان للاتجاه التراجعي في العلاقات بين الغرب والصين تأثير كبير على عدم تعاون الصين مع الغرب في القضايا المتعلقة بإيران.

توحيد الموقف الغربي تجاه الملف النووي الايراني اصبح حلما صعب المنال

السياسة الخارجية الذكية للحكومة الايرانية الـحالية

اما السبب الآخر والعامل المهم للغاية في فشل سياسة الإجماع الغربي ضد إيران هو السياسة الذكية لحكومة الشهيد اية الله رئيسي التي اعادت رسم سياسة ايران الخارجية مع العالم، والتواصل مع القوى العظمى غير الغربية والتواجد في جميع أركان العالم غير الغربي.

وهكذا تجنبت هذه الحكومة سياسات الحكومات السابقة في الاعتماد والثقة فقط على الغرب،وسعت الى إقامة علاقات استراتيجية مع القوى الناشئة وكذلك القوى العظمى غير الغربية بالاضافة الى  استمرار المفاوضات حول البرنامج النووي الايراني السلمي.

وكذلك فإن العلاقات المتنامية بين إيران وروسيا،والتي أدت الى تعاون وتبادل تجاري واقتصادي وعسكري واسع النطاق مع هذا البلد، فقد حققت إنجازات مهمة خاصة في المجال العسكري.كما ان عدم انصياع إيران لموجة الضغوط الغربية على روسيا بشأن قضية أوكرانيا، فقد أدى ذلك إلى صراحة روسيا في الدفاع عن إيران في مجلس الأمن الدولي والمؤسسات الدولية الأخرى.

وبالتالي، فإن الدبلوماسية الذكية للحكومة الحالية، المرتكزة على المبدأ الأساسي المتمثل في عدم اعتماد البلاد على أي من فصائل القوة في العالم، جعلت طريق العلاقات والتعاون بين إيران وروسيا واضحا للجانب الآخر في هذا الصدد.

وقد ادركت روسيا هذه النقطة جيدا، وهي أنه في مواجهة موجة الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية من الغرب، كان اتحاد إيران وروسيا وعدم ارتباطهما بالغرب بمثابة معادلة مربحة للجانبين، وأي موقف وقرار غير بنّاء يضر بالعلاقات بين البلدين، خاصة في وقت يمارس فيه الغرب أكبر ضغوطه على إيران وروسيا، فإن ذلك لا يجلب أي فائدة لهذا البلد.

وكانت الوجهة الاخرى للدبلوماسية و السياسة الخارجة للحكومة الحالية ، جمهورية الصين الشعبية باعتبارها واحدة من أهم القوى العظمى غير الغربية، فقامت بتطوير العلاقات مع الصين و توسيع تجارة ايران النفطية وغير النفطية مع هذا البلد، بسلوك ودي وثابت مما أدى الى دعم الصين لايران في المؤسسات والآليات الدولية التي يهيمن عليها الغرب.

هذا ، كمثل روسيا فإن الصين تدرك ايضا حقيقة مفادها أن التعاون بين الدول الثلاث ضد الغرب سوف يبشر بنظام جديد، وهو ما بدأ العالم يتقبله تدريجيا.كما ان الصين التي تراقب التحديات التي تواجهها أميركا في المنطقة، تدرك أن التواجد في غرب آسيا لن يكون ممكنا من دون التواصل مع إيران ومن دون مرافقة إيران.

دور الشهيدين اية الله رئيسي وامير عبداللهيان في رسم السياسة الخارجية

إن نظرة مختصرة على سلوك الصين وروسيا والقوى العظمى الناشئة الأخرى تجاه ايران خلال ما يقرب من ثلاث سنوات من عمر حكومة اية الله الشهيدرئيسي تظهر أنه من خلال اتباع الدبلوماسية الذكية والسياسة الخارجية الهادفة لتطوير العلاقات مع القوى الناشئة، فإن بناء التوافق في الغرب في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وغيرها من المنظمات والآليات والمؤسسات الدولية قد تعرض للفشل.

ومن الأمثلة الواضحة على هذه المشكلة عجز الغربيين حتى في اعتماد بيان غير ملزم في مجلس الأمن بعد عملية الوعد الصادق.

والجدير بالذكر ان هذه السياسة الخارجية الناجحة كانت بفضل جهود وحنكة وذكاء الشهيدين آية الله رئيسي و أميرعبد اللهيان، دون أي بروباغندا إعلامية ودون أي ثقة وهمية في الغرب، وبدون إدخال البلاد في هوة الأنظمة الدولية التي أنشأها الغرب ،وبدون خطة العمل المشترك الشاملة (JCPOA) وفرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية (FATF) ، وقد ادت الى إزالة الضغط على ايران في الساحة الدولية ورسخت مكانة إيران كقوة عظمى في العالم.

انتهى**ر.م

أخبار ذات صلة

تعليقك

You are replying to: .